نتنياهو وإستراتيجية الخوف: تصعيد الحرب للحفاظ على السلطة

جانب من عملية تفجير إحدى الحافلات في تل أبيب
جانب من عملية تفجير إحدى الحافلات في تل أبيب
تصغير
تكبير

في حين اكتملت عملية تبادل الأسرى المكونة من سبع خطوات في المرحلة الأولى، يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التفجيرات الأخيرة في تل أبيب، كذريعةٍ لتكثيف العدوان العسكري في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه يعرقل عمداً تنفيذ البروتوكول الإنساني بموجب المرحلة الأولى والذي ينص على انسحاب إسرائيل من غالبية غزة ودخول 60 ألف منزل جاهز الصنع و200 ألف خيمة لإيواء الفلسطينيين النازحين.

وفي الأيام الأخيرة، اعتُبر اكتشاف العديد من العبوات الناسفة - بعضها تم تفجيره بنجاح وبعضها الآخَر تم إبطال مفعوله - فشلاً استخباراتياً إسرائيلياً كبيراً ويمثّل عودةً إلى العنف الذي سبق حقبة أوسلو عندما كانت المقاومة الفلسطينية تنفّذ هجمات روتينية داخل إسرائيل رداً على الاحتلال والقمع المنهجي. وبدل معالجة الأسباب الكامنة وراء المقاومة الفلسطينية، يَستخدم نتنياهو هذه الحوادث كذريعة لتأخير بدء المرحلة الثانية خوفاً على مصير حكومته.

التفجيرات: تحد أمني جديد لإسرائيل في الأسبوع الجاري، انفجرت ثلاث حافلات فارغة في وقت واحد في بات يام، إحدى ضواحي جنوب تل أبيب، ما أدى إلى عمليات تفتيش أمنية واسعة النطاق وإثارة القلق في شأن المزيد من التهديدات المحتملة. وعلى الرغم من عدم الإبلاغ عن وقوع إصابات، فإن الطبيعة المنسَّقة للتفجيرات أدت إلى مناقشات عاجلة للأمن القومي، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري المتوتّر بالفعل. ومع استمرار تل أبيب في خوض حربٍ استمرت 500 يوم ضد غزة، يحوّل نتنياهو الآن مركز الصراع إلى الضفة الغربية، حيث أطلقت القوات الإسرائيلية موجة جديدة من العمليات العسكرية.

فبعد دقائق فقط من الانفجارات، أدلى رئيس شرطة تل أبيب بتصريح غير عادي ومثير للشكوك للغاية. وقد ألقى نتنياهو باللوم على جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك) لفشله في منْع الهجوم، من دون انتظار التحقيقات الجنائية أو أي تحقيق أوّلي. وفي خطوة مشبوهة للغاية، حدّد على الفور منفذّي الهجوم على أنهم قادمون من طولكرم في الضفة الغربية، على الرغم من عدم وجود أدلة مؤكدة في ذلك الوقت.

وهذا التصريح يثير تساؤلات خطيرة: كيف يمكن لرئيس الشرطة، في غضون دقائق قليلة من الانفجارات، تحديد مَن نفذوا الهجوم ومن أين أتوا؟ إن مثل هذا الادعاء السابق لأوانه يشير إلى أجندة سياسية وليس تقييماً قائماً على الأدلة. كما يحوّل البيان اللوم بعيداً عن نتنياهو والمؤسسة الأمنية، ويحوّل التركيز إلى الضفة الغربية.

وكانت طولكرم شهدت عمليات عسكرية مكثفة ضد الفلسطينيين، وتجاهلاً تاماً للسلطة الفلسطينية. ويبدو أن تصريحات رئيس الشرطة هي جزء من جهد أوسع لتبرير المزيد من الحملات الصارمة في الضفة الغربية بدل التقييم الأمني الموضوعي.

وقد أطلق نتنياهو عمليات عسكرية غير مسبوقة في الضفة الغربية، فشنّ هجمات على نطاق لم تشهده منذ عام 1967. ويثبت مستوى الدمار والاعتقالات الجماعية والغارات العسكرية في المدن الفلسطينية أن إسرائيل تعامل الضفة كمنطقة حرب نشطة، وليس كأرض تحت احتلالها.

وفور وقوع تفجيرات تل أبيب، أمَرَ نتنياهو بعملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، مستخدماً الحادث كذريعة لتكثيف حملات القمع ضد الفلسطينيين، ونُفذت اعتقالات جماعية، وشُنت غارات جوية، وتم هدم منازل فلسطينية. ومع ذلك، فإن هذه الهجمات ليست مجرد رد على التفجيرات الأخيرة بل هي جزء من إستراتيجية نتنياهو الأوسع نطاقاً لإبقاء إسرائيل في حالة حرب دائمة، وضمان هيمنة الخوف على الخطاب العام.

وبهذا، يحوّل نتنياهو الانتباه عن إخفاقاته في غزة ويَضمن بقاءه السياسي من خلال تجنّب المساءلة. ولكن رئيس الوزراء الاسرائيلي لا يعطي أحداً فرصة للسعي إلى إنهاء الحروب والتوجه نحو السلام، بل يصرّ بدلا من ذلك على التصعيد العسكري الدائم، ليس من أجل الأمن بل لإنقاذ حكومته والحفاظ على دعم وزراء اليمين المتطرف مثل وزير المال بتسلئيل سموتريتش.

وعلى مدى أكثر من عام، تعهّد نتنياهو بتدمير حماس واستعادة جميع الرهائن والقضاء على المقاومة المسلحة الفلسطينية. ولكن على الرغم من التفوق العسكري الساحق لإسرائيل، لم يتحقق أي من هذه الأهداف. بل إن حماس تواصل العمل بقدر كبير من المرونة، ولاتزال الرهائن في غزة، وأثارت الكارثة الإنسانية في القطاع غضباً عالمياً واسع النطاق. وتواجه تل أبيب الآن اتهامات بارتكاب جرائم حرب، في حين يجد نتنياهو نفسه معزولاً بشكل متزايد على الساحة الدولية. وفي غياب أي نصرٍ واضح في الأفق، يصرّ على مواصلة حملاته العسكرية. حتى أنه اختار مضاعفة الحرب ونقل ساحة المعركة إلى الضفة الغربية، واستخدم التفجيرات في تل أبيب كذريعة لتكثيف العمليات وعرقلة المرحلة الثانية لاتفاق غزة.

لقد بنى نتنياهو حياته المهنية على تصوير نفسه باعتباره الزعيم الوحيد القادر على الدفاع عن إسرائيل من التهديدات الوجودية. ومن خلال إبقاء البلاد في حال طوارئ وحرب، فإنه يضمن بقاء زعامته من دون منازع. وأدى رفضُه الانخراط في مفاوضات السلام وقيام دولة فلسطينية إلى تفكيك أي أملٍ في التوصل إلى حل دبلوماسي.

الانهيار الأمني الإسرائيلي: فشل استخباراتي غير مسبوق

لقد كشفتْ التفجيراتُ الأخيرة في تل أبيب، عن مستوى من التنظيم والتنسيق فشلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اكتشافه. إذ إن زرع عدة قنابل جنوب تل أبيب يتطلب عملية لوجستية مكثفة، وأفراد متعددين يعملون في انسجام، والقدرة على تهريب المتفجرات عبر عشرات من نقاط التفتيش الخاضعة لمراقبة شديدة. والحقيقة أن احتواء هذه الأجهزة غير العسكرية على موقتات يشير إلى مستوى أدنى من التطور، ولكن إلى تنسيقٍ وقدرات عالية التنظيم تقوّض بشكل أكبر ادعاء إسرائيل بالسيطرة الأمنية المشدَّدة على أراضيها.

ويستخدم نتنياهو الآن هذا الخلل الأمني لتبرير تصعيدٍ مستقبلي أعظم في كل من غزة والضفة الغربية إذا لم تتدخل الولايات المتحدة لمنْعه. وبدل التشكيك في فشل سياساته الأمنية، فإنه يَستخدم الهجمات كذريعة لمضاعفة العدوان العسكري.

وفي حين تستمرّ الدول الغربية في تزويد إسرائيل بالغطاء الديبلوماسي، بدأت الشقوق تَظهر. فقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه في شأن السياسات العدوانية الإسرائيلية، وحتى الولايات المتحدة ــ أقرب حليف لإسرائيل ــ تشعر بالإحباط إزاء رفض نتنياهو الانخراط في ديبلوماسية ذات مغزى.

ولكن على الرغم من هذه الانتقادات، لم يتم اتخاذ أي إجراء جوهري لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي. ولايزال المعيار المزدوج في السياسة العالمية واضحاً، حيث تتم إدانة المقاومة الفلسطينية بينما يجري التسامح مع العدوان الإسرائيلي.

المرحلة الثانية من وقف النار: غطاء لمزيد من العدوان إن استراتيجية نتنياهو القائمة على الخوف والتصعيد تمتدّ الآن إلى المرحلة الثانية من مفاوضات وقف النار مع غزة. وتوفر له التفجيراتُ الأخيرة والعمليات العسكرية اللاحقة العذرَ المثالي للتعامل مع المرحلة التالية من وقف النار من موقف العدوان المتزايد.

وبدل تخفيف التوترات وتقديم التنازلات، من المرجّح أن يطالب بشروط أكثر صرامة، وربما يستخدم الهجمات كمبرر لزيادة المراقبة، وفرض قيود أكثر صرامة على حركة الفلسطينيين، والمزيد من التأخير في المساعدات الإنسانية. والآن يواجه وقف النار، الذي كان هشاً بالفعل، خطراً أعظم من الانهيار مع تلاعب نتنياهو بالوضع الأمني لتعزيز أجندته.

ومع انقسام الاهتمام العالمي بين أزمات عدة، يظل السؤال: إلى متى سيُسمح لنتنياهو بإملاء مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال حربٍ لا نهاية لها؟

ومع تَصاعٌد التوترات وانتشار العنف خارج غزة، أصبحت تكلفة التقاعس عن العمل واضحة بشكل متزايد. وقد تَضمن استراتيجية نتنياهو - العازمة على إطالة حكمه بأي ثمن - إبقاءَ قبضتِه على السلطة في الوقت الحالي وتؤخّر الانتخابات المبكرة، لكن التاريخ أظهر أن قمْع شعبٍ بأكمله بالقوة العسكرية ليس حلاً مستداماً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي