إسرائيل تسعى إلى توسيع وجودها العسكري في جنوب لبنان

نازحون من كفركلا ينتظرون الانسحاب الإسرائيلي من دير ميماس جنوب لبنان (رويترز)
نازحون من كفركلا ينتظرون الانسحاب الإسرائيلي من دير ميماس جنوب لبنان (رويترز)
تصغير
تكبير

لن تنفذ إسرائيل انسحاباً كاملاً من الأراضي اللبنانية التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة بل تعتزم الاحتفاظ بالسيطرة على مواقع عسكرية عدة مرتفعة وذات أهمية إستراتيجية، الأمر الذي يكرّس وجودها على النحو الذي يشكل انتهاكاً للسيادة اللبنانية.

ويمنح قرار إسرائيل بعدم الانسحاب الشامل مبرِّراً واضحاً ومشروعاً للمقاومة لمواجهة قوات الاحتلال عسكرياً وفقاً لقراراتٍ سابقة لمجلس الأمن. وبموافقة الدولة اللبنانية أو من دونها فالقرارات 1514 (1960)، و2625 (1970)، و2649 (1970)، و3246 (1974)، و3314 (1974)، و35/35 (1980)، و37/43 (1982) تؤكد الحق المشروع في المقاومة من خلال الكفاح المسلّح كوسيلة لتحرير الأراضي المحتلة من قوات الاحتلال الأجنبي، وتعترف بالحق الأصيل للشعوب الخاضعة للحكم الاستعماري أو الأجنبي في مقاومة القمع واستعادة سيادتها، ما يعزز الدعم القانوني الدولي لحركات التحرير الوطني المنخرطة في النضال ضد الاحتلال والهيمنة الأجنبية.

ومع تمديد إسرائيل وجودها العسكري في أراضٍ لبنانية، يظل الموقف الرسمي اللبناني معارضاً بشدّة لأي إجراء من هذا القبيل. وقد بدأ هذا الواقع في تأجيج التوترات على طول الجبهة الجنوبية، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى التوسط من أجل حلّ وسط تَعتقد أنه قد يساعد في تهدئة الأعمال العدائية وتسهيل عودة السكان النازحين على جانبي الحدود.

ومع ذلك، أوضحت إسرائيل أن كل ما لا يمكن تأمينه من خلال الدبلوماسية مع واشنطن سيتم فرضه بالقوة. ويمثّل هذا التطور اختباراً حاسماً للقيادة اللبنانية الجديدة، سواء على المستوى الرئاسي أو الحكومي، في تعاملها مع استفزازات إسرائيل المتصاعدة. إذ لم تعد القضية مسألة مفاوضات ديبلوماسية فحسب - بل أصبحت تحدياً مباشراً لسيادة لبنان.

ومن الواضح أنه لا يوجد أي مبرر لمنح إسرائيل تمديداً آخَر، وخصوصاً في ضوء انتهاكاتها المتكررة لاتفاق وقف النار... من الانتهاكات المستمرة للحدود إلى رفْضها المستمر للانخراط في التفاوض لإطلاق المعتقلين، وتالياً فإن إسرائيل أظهرتْ تجاهلاً صارخاً لالتزاماتها الخاصة، ما أدى فعلياً إلى تقويض الهدنة التي وافقت على الالتزام بها.

الاستفزازات الإسرائيلية وانتهاكات المجال الجوي

على هذه الخلفية، انتهكت إسرائيل المجال الجوي اللبناني، وخرقت جدار الصوت مرات عدة فوق بيروت ووادي البقاع وقامت بنشاط استطلاعي كثيف في سماء الجنوب في ما بدا أنه رد مباشر على رفض لبنان الرسمي استمرار الوجود الإسرائيلي في بعض النقاط في الجنوب.

وجاء انتهاك المجال الجوي بعد وقت قصير من إصدار رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري بياناً مشتركاً يرفضان فيه التقارير التي تفيد أن لبنان وإسرائيل اتفقا على تمديد الوجود العسكري الإسرائيلي إلى ما بعد الموعد النهائي المتفق عليه في 18 فبراير. وعلى النقيض من ذلك، تؤكد مصادر رسمية أن الحركة عبر القنوات الدبلوماسية الدولية تكثفت في الأيام الأخيرة، حيث تراقب الحكومات الأجنبية الوضع عن كثب مع اقتراب الموعد النهائي لوقف إطلاق النار اليوم.

وما يزيد من إلحاح هذه المناقشات جنازة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين في 23 فبراير، وهو الحدث الذي من المتوقع أن يجتذب تعبئة عامة ضخمة. بالإضافة إلى ذلك، تظل التوترات الإقليمية مرتفعة، خصوصاً وأن العالم يتوقع ما يسمى «سبت الجحيم» الذي يخطّط له الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي قد يعرّض اتفاق وقف النار في غزة للخطر.

الأموال الإيرانية واستهداف جهود إعادة إعمار «حزب الله»

تكثف إسرائيل والولايات المتحدة جهودهما لمنع إيران من إرسال الدعم المالي الحاسم لـ «حزب الله»، وخصوصاً لتمويل إعادة إعمار المناطق التي دمّرتها الهجمات الإسرائيلية في الحرب الأخيرة. وهذا ليس مجرد إجراء اقتصادي بل هو إستراتيجية متعمدة تهدف إلى تقويض صدقية «حزب الله» وتآكل قاعدة دعمه داخل المجتمع الشيعي في لبنان.

فالفشل في الوفاء بوعود إعادة الإعمار من شأنه أن يشكل إحباطاً كبيراً داخل المجتمع الشيعي اللبناني، الذي ظلّ لفترة طويلة أكثر تماسكاً في ولائه لـ «حزب الله» في الدوائر الانتخابية. وإذا فشل الحزب في تأمين الموارد المالية اللازمة، فإن السخط الناتج عن ذلك قد يضعف نفوذه، ما يوجِد معارضة داخلية ويقلل من مكانته الشعبية، وهو ما يجعل إعادة الإعمار مسألة محورية.

وهذا التكتيك ليس جديداً، بل هو في الواقع جزء من أهداف واشنطن وتل أبيب، حيث إن الضغوط الاقتصادية والتأخير في إعادة الإعمار من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الضغوط على «حزب الله» من داخل مجتمعه.

وهذه ليست المرة الأولى يتم فيها استخدام مثل هذه التكتيكات. فأخيراً، أبلغت واشنطن الحكومة اللبنانية، من خلال لجنة مراقبة وقف النار، أن المخابرات الإسرائيلية زعمت أن طائرة إيرانية تحمل أموالاً لـ «حزب الله». وبناءً على هذه المعلومات، طالبت إسرائيل بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في بيروت، محذّرة من أنه إذا رفض لبنان الامتثال، فإن إسرائيل ستأخذ الأمور على عاتقها.

إسرائيل تسعى إلى وجود طويل الأمَد في لبنان

واصلت القوات الإسرائيلية الضغط على واشنطن للموافقة على وجود عسكري غير محدَّد في خمسة مواقع رئيسية على الأقل في جنوب لبنان، مدّعية أن هذه المواقع حيوية إستراتيجياً لمراقبة المستوطنات على طول الحدود. وبحسب مصادر ديبلوماسية، عادت فرنسا إلى عملية الوساطة، حيث تَواصَل الرئيس إيمانويل ماكرون في شكل مباشر مع المسؤولين اللبنانيين.

ونقل ماكرون موقف لبنان الحازم إلى إسرائيل، محذراً من أن أي تمديد للاحتلال الإسرائيلي سيقابل بعواقب ديبلوماسية. وفي الوقت نفسه، تؤكد المصادر أن المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس من المتوقّع أن تعود إلى بيروت الأسبوع المقبل باقتراح متجدّد يهدف إلى تأمين تسوية في شأن استمرار وجود إسرائيل في هذه المواقع الخمسة.

وكانت وسائل إعلام في إسرائيل أكدت علناً أن الجيش الإسرائيلي بدأ بالفعل في بناء خمسة مواقع عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، بعد موافقة واشنطن على وجود محدود لقواتها في هذه المناطق عقب انتهاء مهلة وقف إطلاق النار. ووفق قناة «كان» الإخبارية الإسرائيلية، فإن هذا القرار أتى في أعقاب محاولات إسرائيلية فاشلة لتأمين «فترة اختبار» ممدَّدة لوقف إطلاق النار من واشنطن، ما دفع إسرائيل إلى اقتراح بديل حيث تحتفظ بالسيطرة على خمسة مواقع مراقبة بدلاً من ذلك.

إن موافقة واشنطن على الوجود الإسرائيلي في خمسة مواقع مراقبة يَمنح تل أبيب فعلياً سيطرة عسكرية مستمرّة على الأراضي اللبنانية، حتى بعد انسحاب قواتها المتوقَّع.

وإلى جانب المخاوف العسكرية، تسعى إسرائيل والولايات المتحدة أيضاً إلى تحقيق أهداف سياسية أوسع، وتعمل على استغلال الديناميات اللبنانية الداخلية لتقويض نفوذ «حزب الله». وتشير المصادر إلى أن واشنطن وتل أبيب تعملان بنشاط على:

•إيجاد انقسامات داخل قاعدة دعْم «حزب الله»، وخصوصاً في أعقاب جنازة نصر الله وصفي الدين.

•تأخير المساعدات المالية وجهود إعادة الإعمار، ومنْع الحكومة اللبنانية من تعويض المتضررين من العدوان الإسرائيلي.

•التأثير على الانتخابات البلدية والبرلمانية المقبلة في لبنان، باستخدام النفوذ السياسي لتغيير ديناميات القوة الداخلية.

الخلاصة

مع إصرار إسرائيل على إطالة أمد احتلالها ودعم الولايات المتحدة النشط لمطالبها، يواجه لبنان لحظة حاسمة في معركته من أجل السيادة. وستكشف الأيام المقبلة إذا كانت الدبلوماسية الدولية قادرة على منع الاحتلال المطوَّل أو إذا كانت إسرائيل ستفرض إرادتها العسكرية مرة أخرى، بموافقة الولايات المتحدة، تحت ستار المخاوف الأمنية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي