زمن المسلسلات المؤقتة



المتأمل في المشهد الدرامي الكويتي اليوم، يجد أن الأعمال تُكتب وتُنتج بسرعة، وكأن الهدف ليس تقديم قصة تعيش، بل مجرد ملء ساعات البث وجذب المشاهدين في موسم واحد، قبل أن تتكرر الدورة في العام التالي، وأصبح من النادر أن تجد عملاً يُعاد بثه بعد سنوات ويحظى بالحفاوة نفسها، أو مسلسلاً يُذكر كعلامة فارقة في تاريخ الدراما. هذه الظاهرة ليست مجرد مصادفة، بل نتيجة طبيعية لتغيرات جوهرية أصابت الصناعة، بدءاً من الكتابة، مروراً بالإنتاج، وصولاً إلى طريقة استقبال الجمهور لهذه الأعمال.
في الماضي، كانت المسلسلات الكويتية تصنع شخصيات وأحداثاً تظل محفورة في الذاكرة، وتدفع الجمهور للتفكير والتفاعل معها، من المؤسف أن كثيراً من الأعمال اليوم باتت تفتقر إلى الأصالة، وتعتمد على التكرار، سواء في الحبكات أو الشخصيات أو حتى الأسلوب البصري والإخراجي، الخطوط الدرامية نفسها تُعاد بصيغ مختلفة، العلاقات المتوترة بين الأفراد نفسها، القضايا الاجتماعية التي تُطرح بشكل سطحي من دون معالجة حقيقية نفسها، حتى الشخصيات لم تعد تملك العمق الذي يجعلها حقيقية، بل باتت مجرد أدوات لتحريك القصة من دون روح أو مصداقية.
وبينما تعاني الدراما الكويتية والخليجية من هذه الأزمة، نجد أن الدراما المصرية رغم كل التحولات التي مرت بها لا تزال تحتفظ بثباتها، وتحقق نجاحات متواصلة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل عربياً أيضاً. الفرق هنا لا يكمن فقط في حجم الإنتاج، بل في الأسلوب والرؤية، حيث لا تزال مصر قادرة على تقديم أعمال تمتلك بُعداً ثقافياً واجتماعياً قوياً، مع شخصيات حقيقية وقصص تمتلك عمقاً درامياً يجعلها تعيش لأكثر من موسم، بل ربما لأجيال، الفارق الجوهري هو أن الدراما المصرية تفهم جمهورها، لكنها في الوقت ذاته لا تستسلم له، فهي تصنع الأعمال وفق رؤية واضحة، وليس فقط وفق ما يطلبه السوق أو ما يحقق مشاهدات سريعة.
في مصر، يمكننا أن نجد أعمالاً درامية تعيد تعريف مفهوم الجودة، مثل تلك التي تعتمد على الروايات الأدبية، أو تلك التي تناقش قضايا سياسية واجتماعية بجرأة، أو حتى المسلسلات التجارية التي تحافظ رغم بساطتها على حبكة متماسكة وأداء مقنع. في المقابل الدراما الخليجية والكويتية تحديداً، تركز أكثر على النجومية السريعة، وتتعامل مع الموسم الرمضاني كفرصة لتسويق أضخم عدد ممكن من المسلسلات، من دون أن يكون هناك اهتمام حقيقي بجودة المنتج أو استمراريته. والنتيجة أن المشاهد بات ينجذب للأعمال المصرية التي لا تزال تُصنع بروح الفنان، بينما يشعر أن كثيراً من الأعمال الخليجية تُصنع بروح التاجر الذي يبحث عن الربح السريع.
إذا استمر هذا الاتجاه، فسيكون من الصعب أن نرى أعمالاً تعيش لسنوات وتظل في ذاكرة الأجيال القادمة، الدراما ليست مجرد ترفيه، بل هي وسيلة لصياغة الوعي الجمعي، وإذا فقدت هويتها، فإنها تفقد قدرتها على التأثير والتغيير، والحل برأيي لا يكون فقط بإنتاج المزيد من المسلسلات، بل بإعادة التفكير في جوهر هذه الصناعة، والعودة إلى الأسئلة الأساسية: لماذا نصنع الدراما؟ وما الذي نريد أن نقوله من خلالها؟ إذا لم نجد إجابات حقيقية لهذه الأسئلة، فسنظل ندور في دائرة مغلقة، حيث تُنتج الأعمال لتُستهلك ثم تُنسى، من دون أن تترك أي أثر حقيقي في وجدان الجمهور.
نهاية المطاف: الوضع في الساحة الفنية يقول داشين طوفه.