«شدّ الحزام» في التوزيعات وبناء المخصصات الإضافية عزّزا استعدادها لصافرة إدارة عجلة التنمية

هل البنوك الكويتية قادرة فعلاً على تلبية طفرة القروض المرتقبة؟

تصغير
تكبير

- 10 مليارات دينار مرجّح توافرها بالدفاتر كفوائض متاحة للإقراض
- 7.5 مليار سندات وتورقاً طرحها «المركزي» بـ 2024 غطتها المصارف 12.6 مرة
- القرض المجمّع أحد مسارات تعزيز المصدّات الرأسمالية لتجاوز نشوء الفجوات التمويلية
- آلية «المركزي» لاحتساب استهلاك رأس المال أبرز محددات اتجاهات الطريق محاسبياً
- «الدَّين العام» و«التمويل العقاري» بوابتان لتعويض محدودية النمو الائتماني عضوياً
- نطاق السيولة الواسع لعباءة البنوك يضمن عدم إطفاء جذوة نشاط قروضها الشامل

وسط الحديث الحكومي الجاد عن قرب انطلاقة عجلة المشاريع التنموية الكبرى في البلاد، والتحضير لإقرار قانوني «الدين العام» المرتقب بـ20 مليار دينار و«التمويل العقاري» الذي يحتاج مثلها، يكون السؤال مشروعاً، هل البنوك الكويتية قادرة حقاً على تمويل طفرة القروض المرتقبة حكومياً وإسكانياً، دون الإخلال بمقابلة التزاماتها الأخرى التي تحتاج متوسط 4.5 مليار تسهيلات جديدة سنوياً، حسب معدل النمو الائتماني المسجل بـ2024، ما يجعل البنوك نظرياً أمام قاعدة قروض مرتقبة بنحو 44.5 مليار؟

إجابة كافية

قد تبدو الإجابة على سؤال بحجم حيزّ العباءة الائتمانية للبنوك الكويتية، أكثر تعقيداً من مجرد الرد بكلمة نعم أو لا، فإذا كان مسؤولوها، ووكالات التصنيف الائتمانية يتقاطعون على أن «الدين العام» و«التمويل العقاري» يشكلان بوابتين إستراتيجيتين لتعويض النمو العضوي المحدود ائتمانياً السنوات الماضية، لدورهما في تحقيق انفراجة تمويلات تدعم تنويع أعمال البنوك وتعزيز مؤشراتها المالية، إلا أنهم يدركون جيداً أن اختبار القدرة الائتمانية الحقيقية في تجاوز أي فجوات قد تنشأ مستقبلاً من زيادة طلب القروض مقابل المعروض يتوقف على محركات رئيسية، أبرزها آلية بنك الكويت المركزي في احتساب الكفاية الرأسمالية، والتي تحدد نسبة استهلاك الديون من معدل كفاية رأس المال، حسب معايير«بازل 3».

تعقيد محاسبي

فباختصار، يمكن الإشارة إلى أن كل قرض يمنحه البنك يقابله في ميزانيته باستهلاك رأسمالي بنسبة محددة، وللتبسيط وبعيداً عن لغة الأرقام الدقيقة التي لا تقبل القسمة على اثنين، يلزم «المركزي» البنوك بقاعدة حقوق ملكية لا تقل عن 12 % من أصولها موزونة المخاطر والتي تشمل قروضها واستثماراتها، وبالتالي كلما ارتفعت جودة المديونية وتوافرت مخففات أوزان لمخاطرها بضمانات جيدة، قلّ معدل استهلاك رأس المال، ليزيد مع ذلك منسوب السيولة المتاحة للإقراض، والعكس صحيح، فكلما صعد وزن المخاطر شكل ثقلاً على رأس المال.

ومحاسبياً، كانت البنوك الكويتية الفترة الماضية تتمتّع بنطاق مرن لحماية رؤوس أموالها، بحكم تباطؤ نموها ائتمانياً، وما ترتب على ذلك من تراكم السيولة بطبقات متتالية، لكن مع تسارع نشاط التمويل المرتقب تشعبه كماً وكيفاً الفترة المقبلة، بمبالغ تعادل على أقل تقدير 5 أضعاف القروض الجديدة المسجلة العام الماضي، ولفترات سداد طويلة الأمد، يكون من الناحية النظرية تسارع الاستهلاك الرأسمالي طبيعياً، تحت ضغط موجة القروض الوفيرة المرتقبة الفترة المقبلة، فماذا يمكن لبنوك الكويت فعله لزيادة مصداتها الحمائية لرؤوس أموالها من التآكل؟

من حيث المبدأ، يتعين الإشارة إلى أن الديون السيادية للكويت متدنية المخاطر، وتقدر تكلفتها على رؤوس أموال البنوك الكويتية بصفر، ما يجعلها مبوبة في خانة المخاطر شبه المعدومة، وهذا يشكل اعتبار قوة إضافي يغذي سيولة البنوك المحلية المتاحة للإقراض.

فضلاً عن ذلك، يدفع البعض بأن البنوك الكويتية غير مطالبة بتوفير المليارات المطلوبة (دين عام + تمويل عقاري+ قروض اعتيادية) قروضاً كدفعة واحدة، على أساس أن هذه المحفظة افتراضية القيمة قياساً بقاعدة التمويلات الإجمالية المتوقعة، لكن عملياً يرجح أن تصل حصة البنوك الكويتية لنحو ثلث القيمة الإجمالية من التمويلات الإجمالية المستهدفة، حيث سيشمل وعاء تغطيتها، لا سيما السيادية منها تسهيلات دولية.

كما أن تمويل القفزة التمويلية المرتقبة سيكون على فترات، وليس خلال سنة واحدة، ما يعطي البنوك فرصة لتدوير محفظة قروضها، وعدم التعرض لضغوط طلب السيولة بتكلفة مرتفعة.

جودة قروض

وقالت مصادر مصرفية مسؤولة لـ«الراي» إن من معطيات قوة البنوك الكويتية، وبشهادة المؤسسات الدولية، تمتعها بجودة قروض سليمة، وأرباح متنوعة، ورسملة كافية، فضلاً عن تمويل وسيولة قويين، مشيرة إلى أنه حسب القراءة الأولية لبياناتها المالية الأخيرة يرجح توافر سيولة تمويلية متاحة في دفاترها تقارب 10 مليارات دينار، موزعة بنحو 5 مليارات أصولاً شبه سائلة، ومثلها متاحة للإقراض.

ولفتت المصادر إلى أنه لتفادي تآكل رؤوس أموالها يرجح لجوء البنوك الكويتية إلى إنشاء مصد إضافي يتمثل في إعادة تدوير محافظها قروضها طويلة الأجل «السيادية والتمويل العقاري»، من خلال إعادة تصكيكها بإصدارصكوك وسندات تعزز رأس المال.

وبالطبع كلما اتسع حيزّ محفظة القروض طويلة الأمد زادت الحاجة مصرفياً لتفعيل سيناريو«التصكيك» بمعدل مكافئ، أخذاً بالاعتبار أنه سيقابل هذا التطبيق خدمة دين يتحملها البنك المصدر ويدفعها لمستثمر الصك أو السند، فيما سيظل ضمان البيت مسجلاً باسم البنك الكويتي كونه مصدر الدين.

وأشارت المصادر إلى أن ضمن معززات كفاءة السيولة المتاحة للإقراض استقطابها قروضاً مجمعة إقليمياً، إلى جانب تحركها المبتكر على زيادة تنويع مصادر الودائع، والذي يتضمن رفع منسوب أموال الشركات المحلية والأجنبية بهذا الوعاء، فضلاً عن استقطاب مزيد من الودائع الحكومية.

وبينت المصادر أن ما يعزز الملاءة الائتمانية الاستثنائية للبنوك الكويتية، أنها تحتفظ بطبقات متتالية من فوائض السيولة التي تراكمت في دفاترها منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008، لقلة معروض الفرص الائتمانية القادرة على امتصاص الفوائض سواء حكومياً أو بقطاعي التجزئة والشركات، ما سبب تباطؤ النمو ائتمانياً لسنوات متتالية.

كما أن شد البنوك لحزامها منذ 2008 في معدلات التوزيعات النقدية وبناء المخصصات الاحترازية الإضافية يضمن لحد كبير عدم نشوء فجوة بين ارتفاع طلب القروض المتوقع أن يكون استثنائياً وبشكل كامل، والقدرة على تغطيتها مستقبلاً بمعدلات كافية، ما يجعل البنوك الكويتية أكثر استعداداً لصافرة انطلاقة مشاريع التنمية.

السيولة المصرفية

وتشير المصادر إلى أن معدلات التغطية المصرفية العالية لسندات وتورق «المركزي» التي يطرحها لتنظيم مستويات السيولة المصرفية، تؤكد قوة فوائض البنوك الكويتية، وبرهان ذلك، ارتفاع شهيتها على تغطية هذه الإصدارات رغم انخفاض فائدتها نسبياً قياساً بتكلفة أموالها.

ورقمياً، نوهت إلى بيانات «المركزي» التي تكشف أنه خصص بالعام الماضي 34 إصداراً قيمتها 7.5 مليار دينار، حيث جرى تغطيتها من البنوك المتعطشة لتوظيف السيولة في فرص جاذبة بنحو 95.09 مليار، ما يعني أن الطلب شكل 12.66 مرة من المعروض، ما يشكل مؤشراّ حيوياً على صحة الفوائض المالية التي تملكها البنوك الكويتية وإلى حدود تجعلها على أتم استعداد لتمويل «الدين العام» و«التمويل العقاري» دون أن تطفئ جذوة نشاط تمويلها للقطاعات الأخرى.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي