إمام النهج والبلاغة... علي بن أبي طالب

تصغير
تكبير

كلما وقفت على باب من أبواب حكمتك، وجدت نفسي جرماً صغيراً أمام منظومة فلسفية عليا تختزل أحد معاني الحياة وما بعد الممات، فما أعظمك يا سيدي يا أمير المؤمنين. صدق من لقبك بقائد الغر المحجلين فأنت في الصادقين والصالحين والمتقين والمؤمنين كقطب الرحى يدور معه الحق أينما دار.

يا ربيب بيت النبوة، ويا ضيغم الإسلام، ويا باب مدينة العلم، ويا تاج رأس الحلم، ويا ناطق الكتاب، وكاتب الآداب، ويا زينة الألباب، ويا هازم الأحزاب، ويا طيب الأنساب، يا أبا تراب، ويا حامل اللواء، ويا سيد الأطباء، ويا مضيء الدهماء، يا صاحب المقل الدعجاء، ويا سيد السخاء، يا وليد الكعبة ويا ناصع الوجه والجبهة، يا سيدي يا من اجتمعت فيك كل السجايا وأسمى العطايا وجمل الهدايا، يا سيدي يا أشوس بالحق يا كميت تسبّق، يا نجم غير آفل تألق، يا سيدي تعجز الكلمات بوصفك وتتدلى القناطير المذهبة بمجدك، يا سيدي يا عين نهر الخالدين، ويا منهل الوافدين، ويا مضيف المغتربين، يا سيدي يا عليّ كم أنا ولعٌ بك وبخطك وخطبك، يا سيدي يا مدرسة المظلومين، ويا معلم العلماء والمدرسين، ويا دوحة الثمر والظل والعبر، يا من يحج إليه قلبي كلما انفطر، يا سيدي أي إنسان أنت ويا عبدٌ لله أنت ويا سيداً للسادة أنت، ويا واعظ للواعظين أنت، ويا منتصراً للمهضومين أنت، ويا مأمناً للاجئين أنت.

يا سيدي يا إمامي لا يبلغ وصفنا أدنى صفاتك فأنت نهج ومنهاج وسراجٌ وهّاج، قد ترك فينا الأثر والمآثر، ويكفي أن ننظر فيما تيسر لنا مما تركت لتثري بنا الفكر وتسقي العقل، فهذا نهج بلاغتك الذي ضم بين دفتيه الحِكَم والمواعظ والفلسفة العليا التي تتوّج على رؤوس الكتب الشهيرة، وقد استخدم سيل مداده الباحثون والمفكرون والفقهاء والمؤرخون ذهباً ليختطوا به ما كتبوا ويزيّنوا به سجلاتهم الوفيرة، إنه قبسٌ من ضياء قولك الذي صمد شهيراً وطاف في أرجاء المعمورة مطيراً حتى استقر في ضمائرِ الأحرار بصراً وبصيرةً، تسامت به الحكم وارتقت به القيم وترعرت به الأمثال وتواضعت أمامه الفلسفات واشتاقت إليه الآمال، حتى أوجس الظالمون مما تركت أخطاراً تحدق بهم فأخذوا دروباً شتى ووسائل كثيرة للحط من قدره وتشويه ما خطه ففشلوا على طوال حقب الزمان وما بذلوا، وعلى نحو عقود تليها عقود لم يستطيعوا كبت صوتك، ومهما بلغوا من مكر الدهاء وأدوات القسر والقهر والبلاء فلم يحيطوا بك مبلغاً ولم يستطيعوا إلا منك مهرباً، فلقد غدت لمعات شذراتك معلقات أناشيد تعالت بها أصوات الناشدين للحرية والتقوى والعدالة والمساواة والحق حتى أمست أصداءً سرمدية تتردد عبر التاريخ للمظلومين والمصلحين والمتقين، فتوهجت وأبهرت وتزبرجدت بريقاً وانتشرت بأوسع اللغات قولاً وقيلاً، وحفظ تراثك في مكاتب الجامعات وتربعت على عرش أروع الكتب جيلاً بعد جيل.

يا سيدي سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً، حشرنا الله معك وأنت في ضيافة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي