يبدو أن الضغوط العربية والدولية على اختيار جوزف عون رئيساً للبنان قد جنت ثمارها هذه المرة، فقد لاحظناها جلياً من خلال توافق معظم أعضاء البرلمان اللبناني الذي أدى إلى فوزه فوزاً ساحقاً بـ 99 صوتاً من أصل 128 صوتاً للجميع في الدورة الثانية من الاقتراع تحت قبة البرلمان، وبهذا الفوز التاريخي أصبح العماد جوزف عون القائد الخامس من الجيش والرئيس الـ 14 لتولي الرئاسة في لبنان.
وبهذا الفوز يكون قد أعاد الحياة الدستورية من جديد بعد أكثر من عامين ولبنان يُعاني من الركود السياسي والفراغ الرئاسي ويرجع السبب إلى التدخلات الداخلية والخارجية من إيران من جهة ومن «حزب الله» من جهة أخرى، إلا أن سقوط نظام الطاغية بشار الأسد في سورية قد ساعد على نجاح مهمة رئاسة لبنان بشكل أكبر.
تلك الجهود المكثفة التي لعبتها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية الشقيقة وفرنسا ساعد على نجاح العُرس الرئاسي والدور السياسي الإيجابي لإيصال العماد عون إلى سدة الرئاسة بمرونة ويسر تخللتها ضمانات متنوعة من جميع القوى الإقليمية، وبالتالي كان أداء اليمين الدستورية للرئيس المنتخب عون أمام رئيس وأعضاء البرلمان بالقسم الدستوري سلساً ومتناغماً مع متطلبات المرحلة المقبلة، ليؤكد من خلاله بأنه وصل إلى سدة الرئاسة بعد ضغوط دولية مزلزلة استطاعت تغيير نمط الأنظمة الجامدة، فجاء تعهده واضحاً بحياد دولة لبنان الجديد بعد أن كان محسوباً ومرتبطاً مع محور إيران بشكل غير عادي في السنوات الماضية، لذلك أكد الرئيس الجديد مراراً على أن يكون حصر السلاح بيد الدولة فقط، وهي المسؤولة عن تحرير الجنوب اللبناني وكذلك ردع الاحتلال عن أي أطماع حدودية مع لبنان.
كان خطاب الرئيس الجديد عون أمام البرلمان بمثابة رسالة واضحة لقوة «حزب الله» مع سلاحه داخل لبنان، موجهاً كلامه للجميع بأن القوة اللبنانية هي الوحيدة التي تحتفظ بسلاحها للدفاع عن الدولة في كل الظروف، فيما تعهد أيضاً مناقشة كل ما يتعلّق بالخطة الدفاعية وإستراتيجيتها، ودعا إلى وجوب تغيير الأداء السياسي ومدى تعاطيه وفقاً للمصلحة العامة، والعمل على بناء الدولة مع جميع فئات المجتمع تحت سقف واحد، ومشدداً على ضرورة تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح وعدم الرهان على الخارج لاستقواء البعض على بعض، وكذلك وعده العمل جاهداً على إقرار قانون استقلالية القضاء، ومؤكداً بكل حزم بأن لا حصانة لمجرم أو فاسد، ولا وجود للمافيات وتهريب المخدرات وتبييض الأموال في لبنان، وأنه سيعمل جاهداً على ضبط الحدود مع سورية وتفعيل الحوار معهم لمناقشة جميع الملفات العالقة وذلك للمحافظة على أمن واستقرار البلاد، والحرص على تطبيق كل القرارات الدولية، ومحاربة الإرهاب بأنواعه.
لقد وعد الرئيس عون بإعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان ومن أبرزها الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب شرق البلاد، ووعد بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل والذي من نصوصه انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها في الجنوب مع الالتزام التام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الصادر عام 2006 وفق بنوده التي تنص على ابتعاد «حزب الله» عن الحدود اللبنانية ونزع سلاح المجموعات المسلحة وحصره في القوى الشرعية.
كما وعد التمسك برفض توطين الفلسطينيين حتى لا تزيد رقعة الخلافات الداخلية، وتعهد أيضاً القيام بإصلاحات جذرية بعجلة الاقتصاد بعدما كان لبنان يُعاني من الركود الاقتصادي والمالي وعانت المؤسسات المالية من انهيارات غير مسبوقة على مدى سنوات.
وفي ضوء ما سبق، نستخلص القول بأن الخطاب الرئاسي للعماد جوزف عون كان مليئاً بالوعود الجادة للقيام بإصلاحات جذريه لملفات مصيرية عدة أمام تحديات كبيرة مع استحقاق تشكيل الحكومة الأولى في عهده الجديد... ويبقى السؤال هنا: هل ينجح الرئيس اللبناني الجديد العماد جوزف عون مع النهج الجديد للدولة وهل ينجح في رأب الصدع بين التيارات السياسية الموجودة، وهل ستكون الحكومة الجديدة قادرة على التصدي لأكثر الملفات تعقيداً وعلى رأسها قضية سلاح «حزب الله» في جنوب لبنان؟!!
وفي ختام المقال، نبارك للشعب اللبناني الشقيق على حُسن اختيار البرلمان للعماد جوزف عون، ليكون رئيساً للبنان بغالبية نيابية ساحقة، متمنين للرئيس الجديد وللحكومة القادمة التوفيق والنجاح، وللبنان الأمن والسلام والاستقرار الدائم للمضي قدماً نحو تحقيق تطلعات الشعب اللبناني وطموحاته نحو التقدم والازدهار.
ولكل حادث حديث،،،
alifairouz1961@outlook.com