ربيع الكلمات

غزة... في قلب الكويت

تصغير
تكبير

ما حصل في قطاع غزة يمثل الوجه الآخر من المجتمع الدولي الذي ينادي بحقوق الإنسان والأقليات والمرأة والطفل وأزمة ضمائر، فإذا به في حرب غزة يتجاوز كل هذه المعايير وكأنه لا يرى ولا يسمع، وهذا يمثل قمة ازدواج المعايير التي سقطت على أعتاب غزة نتيجة هذا الصبر البطولي.

أهل غزة كتبوا على صفحات تاريخ المجد صموداً بطولياً لم يشهد التاريخ له مثيلاً، شعب محاصر منذ ثماني عشرة سنة، وصور القصف الصهيوني على غزة خلال الحرب جريمة مكتملة الأركان وبالصوت والصورة، استهداف المدنيين العزل والأطفال والرجال والنساء حتى المستشفيات ودور العبادة لم تسلم، وهذا يجب أن يتم توثيقه حتى لا يتم مسحه وتشويهه بعد كل هذه التضحيات.

وتاريخ الصهاينة الحديث والقديم مع المجازر طويل، أما القديم فمنذ عام 1948، وبعد ذلك مذابح دير ياسين 1948 ومذبحة كفر قاسم 1956 ومذبحة خان يونس 1956 ومذبحة صبرا وشاتيلا 1982، ومذبحة المسجد الإبراهيمي 1994، هذا بخلاف الصور المتوحشة التي كنا نراها بشكل شبه يومي على الشعب الفلسطيني واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً.

والمجازر الحديثة كثيرة ومن أبرزها، مجزرة المستشفى المعمداني والتي جرت في 17 أكتوبر 2023، وأدت لاستشهاد 500 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال الذين لجأوا إلى المستشفى المعمداني بعد أن تلقوا تهديدات بقصف المربعات السكنية في محيطه. ومجزرة جباليا حدثت في 31 أكتوبر 2023 في مربع سكني بمحاذاة المستشفى الإندونيسي في مخيم جباليا شمال شرق مدينة غزة، وخلفت استشهاد وإصابة نحو 400 فلسطيني معظمهم من الأطفال. ومجازر مدرستي الفاخورة وتل الزعتر، كانت المجزرتان فجر يوم 18 نوفمبر 2023، وسقط في مجزرة مدرسة الفاخورة بمخيم جباليا نحو 200 شهيد، في حين سقط بمجزرة مدرسة تل الزعتر شمال قطاع غزة 50 شهيداً.

لكن رغم المآسي، فإن الكويت تقف شامخة كمنارة للعطاء الإنساني، فجهودها في دعم أهل القطاع تعكس رؤية إنسانية عميقة تضعها في مصاف الدول الرائدة في العمل الإنساني، فالجسر الجوي الكويتي، الذي أطلقته حملة «فزعة لفلسطين» منذ أكتوبر 2023، يعد مثالاً حياً على استجابة الكويت للأزمات حيث تم تسيير أكثر من 50 طائرة محملة بالمساعدات الغذائية والطبية والإيوائية، لتصبح شريان حياة لسكان القطاع المحاصر.

وكما أن الإغاثة لم تقتصر على الجو، بل امتدت عبر البحر، حيث أبحرت سفن الإغاثة الكويتية محملة بآلاف الأطنان من المواد الغذائية الأساسية، مثل الأرز والدقيق والمعلبات، وساهمت أيضاً الإغاثة البرية، حيث عبرت الشاحنات الكويتية الأراضي الأردنية محملة بمئات الأطنان من المساعدات التي وصلت إلى مستحقيها في الوقت المناسب، ولم تغفل الكويت الجانب الصحي، إذ دخلت فرق طبية كويتية إلى غزة عبر معبر رفح، مقدمةً خدمات طبية متخصصة في ظروف معقدة، وهذه الفرق جسدت أسمى معاني التضامن، حيث قدمت الرعاية الصحية التي كانت شريان نجاة للعديد من المصابين.

وقد كان هناك تفكير إستراتيجي لتحقيق أثر مستدام تمثل في حملة «قوافل الخير»، التي استهدفت النازحين في غزة، والتي تميزت بتوفير المساعدات الغذائية الأساسية عبر دعم الاقتصاد المحلي، حيث تم شراء المواد الإغاثية من الضفة الغربية، هذا النهج يبرز الرؤية الكويتية التي لا تقتصر على الدعم الإنساني اللحظي، بل تسعى لتحقيق أثر مستدام يساهم في بناء مستقبل أفضل للمجتمع الفلسطيني.

فدور الكويت الإنساني يتجاوز الدعم المادي، فهو يعكس قيم المجتمع الكويتي النبيلة، عبر التنسيق الحكومي، وضمان الشفافية، ودعم الوزارات المختلفة كالدفاع والخارجية والإعلام، تعزز الكويت موقعها كدولة رائدة في تقديم الإغاثة الإنسانية، وغزة في قلب الكويت.

نحمد الله تعالى على قرب انتهاء الحرب ورفع الظلم عن أهل غزة، وبإذن الله الآن تبدأ مرحلة الإعمار، والآلام ماهي إلا مخاض الآمال.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي