ما زالت مقاطعة لوس أنجليس تكافح أسوأ حرائق غابات في تاريخها، وتسعى للسيطرة عليها واحتوائها، وسط ترقّب لتجدّد الرياح العنيفة الكفيلة بتوسعة رقعة النيران المستعرة ومضاعفة حصيلة الضحايا والدمار والخسائر.
حسب تقرير المجلّة البريطانية المرموقة «The Economist»، هذه الحرائق الصادمة، بشدّتها وسرعة انتشارها ونتائجها الكارثية، ليست مُفاجئة لسكان جنوب ولاية كاليفورنيا. ومن كان منهم ينسى مخاطر اشتعال حرائق كهذه، فإن التكلفة المرتفعة لتجديد بوليصة التأمين السنوي لمسكنه كانت تُذكّره بهذه المخاطر.
إلى جانب التكاليف المرتفعة، يعاني قطاع التأمين في كاليفورنيا من هروب شركات التأمين. ففي عام 2022، توقفت شركة «Allstate»، رابع أكبر شركة تأمين على المنازل والحوادث في كاليفورنيا آنذاك، عن بيع بوليصات تأمين المنازل. وفي شهر مارس الماضي، ألغت شركة التأمين State Farm، نحو 30 ألف وثيقة تأمين على المنازل، بما في ذلك 1600 وثيقة في منطقة Pacific Palisades التي مازالت الحرائق مشتعلة فيها. وكان سبب انسحاب الشركة تزايد مخاطر حرائق الغابات في المنطقة.
بسبب قانون «إصلاح وخفض أقساط التأمين» الذي أقرّ باستفتاء شعبي في كاليفورنيا عام 1988، شركات التأمين في كاليفورنيا كانت غير قادرة (حتى تاريخ 2 يناير 2025) على توفير بوليصات تأمين «باهظة الثمن» مناسبة لتغطية المخاطر المتفاقمة وفق تقديرات نماذج محدّثة للمخاطر في الولاية. لذلك، وبموجب قانون صادر من الولاية، وفّرت الولاية خيار التأمين غير الربحي California FAIR Plan لأصحاب العقارات الذين لا يستطيعون الحصول على تغطية تأمينية من القطاع الخاص، ولكن بأقساط أعلى وبتغطية أقل مقارنة بخيارات التأمين المتاحة من القطاع الخاص.
السبب الرئيس وراء أزمة التأمين في كاليفورنيا هو زيادة شدّة وسرعة انتشار حرائق الغابات في كاليفورنيا، ومناطق مماثلة في العالم. ويوعز الخبراء هذه الظاهرة إلى أسباب «مناخية» عدّة، من بينها زيادة وتيرة وحدّة تقلّبات المناخ المائي (أي الانتقال من الطقس الرطب جدّاً إلى الجاف جدّاً) التي تُنتج بكثافة نباتات جافّة، أشبه بالوقود، سريعة الاشتعال ومُحفّزة لانتشار النيران. والسبب «المناخي» الآخر هو زيادة وتيرة هبوب الرياح القوية القادرة على نقل الجمر والشظايا النارية إلى مسافات بعيدة.
هذه الحرائق الكارثية ذكرتني بمقترح قدّمه الدكتور سعود الرشيد، نائب مدير عام الهيئة العامة للبيئة للشؤون الفنية سابقاً، إلى معالي وزير النفط رئيس المجلس الأعلى للبيئة السيد طارق الرومي، بإنشاء مركز بيئي لدعم القرار في مشاريع رؤيتنا الإستراتيجية «كويت جديدة»، يُعنى بالبعد البيئي والاستدامة عند إعداد وتنفيذ خطط ومشاريع التنمية الوطنية. وذلك بالتناغم مع أمانة المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبالاستعانة بالخبراء العالميين وبالخبرات والإمكانات المتوافرة في الهيئة العامة للبيئة والجامعات والمراكز البحثية المحليّة والعالمية الرائدة.
ويأمل الرشيد أن يكون هذا المركز البيئي نواة لمركز بيئي إقليمي يُعزز موقف دولة الكويت في المفاوضات الأممية البيئية، والمفاوضات الأخرى المرتبطة بالبيئة، ويدعم الكويت في استيفاء التزاماتها البيئية الدولية، وفي تأهيل كوادرها المشاركة في المفاوضات والمساهمة في استيفاء الالتزامات.
صحيح أننا لا نعاني من أزمة حرائق غابات، إلا أننا بحاجة لهذا المركز من أجل تمكين الدولة من التعاطي المبكر مع التحدّيات البيئية المنظورة –كالارتفاع المستمر لدرجات حرارة الهواء– ولترشيد خطط التنمية الوطنية من المنظور البيئي، حتى لا يتكرّر خطأ تجاهل البعد البيئي في المشاريع التنموية العملاقة، كما حصل في تحديد موقع مدينة صباح الأحمد، التي شُيّدت في مجرى رئيسي لسيول مياه الأمطار، وفق رأي متخصّصين من جامعة الكويت.
لذلك، أناشد معالي رئيس المجلس الأعلى للبيئة، تقييم وتبني المقترح، ثم عرضه في مجلس الوزراء الموقّر لإقراره... «اللهم أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه».
abdnakhi@yahoo.com