قضت برد 9.57 مليون دينار مختلسة وتغريمه ضعفيها... ومصادرة السيارات حصيلة «غسل الأموال»

محكمة الوزراء تحبس طلال الخالد 7 سنوات: مصروفات «الداخلية» السرية مال عام له حُرمته

2
2
تصغير
تكبير

- المُشرّع نظم أوجه صرف المصروفات السرية للأغراض المخصصة ولم يتركها مالاً مُباحاً
- الوزير استغلّ منصبه واختلس الأموال بإصدار أوامر صرفها ثم احتفظ بها لنفسه
- لم يَصرف الأموال في ما يحقق مصلحة الوزارة أو لأغراض الأمن القومي وسيادة الدولة
- كونه وزيراً للداخلية كوّن ثروته بطريقة غير مبرّرة من حصيلة الأموال المختلسة
- اشترى من الأموال المختلسة 13 سيارة بقصد إخفاء مصدر الأموال غير المشروع
- دفاع المتهم لم يقدم دليلاً معتبراً بأن السيارات من استثماراته العقارية وأمواله الخاصة

دانت محكمة الوزراء وزيرالداخلية السابق الشيخ طلال الخالد، باختلاس مبلغ تسعة ملايين و572 ألفاً و339 ديناراً، هي أموال بند المصروفات السرية الخاصة بوزارة الداخلية المسلمة إليه بحكم وظيفته، وحكمت عليه بالحبس 7 سنوات مع عزله من الوظيفة، وبرد المبلغ المختلس، وتغريمه ضعفي المبلغ البالغ 19 مليوناً و144 ألفاً و678 ديناراً، وبمصادرة السيارات التي اقتناها كحصيلة لجريمة غسل الأموال.

المحكمة التي أصدرت حكمها، برئاسة وكيل محكمة الاستئناف المستشار هاني الحمدان، في القضية المرفوعة من لجنة التحقيق الدائمة الخاصة بمحاكمة الوزراء، ضد الخالد، أكدت أن المصروفات السرية للوزارة ليست مالاً مباحاً، وإنما هي مال عام له حرمة يلزم أن ينفق في ما خصص له، تحقيقاً للمصلحة العامة للجهة المخصص لها هذا الإنفاق.

استغلال المنصب

وخلصت المحكمة في حكمها إلى تكامل كل العناصر القانونية للتهم المذكورة المسندة إلى الوزيرالخالد، حيث قام المتهم مستغلاً صفته الوظيفية السابقة كوزير للداخلية، وكونه المسؤول الوحيد عن بند المصروفات الخاصة بتلك الوزارة، والمسلم إليه كعهدة مالية باختلاس المبلغ المذكور منه، عن طريق إصدار أوامره للموظفين المختصين في الوزارة لصرف تلك المبالغ، ليحتفظ بها لنفسه، مدعياً صرفها لمصلحة الوزارة على خلاف الحقيقة، وبالمخالفة للإجراءات والشروط المعمول بها في هذا الشأن. وقد انصرفت نيته باعتباره حائزاً لتلك الأموال إلى التصرف فيها على اعتبار أنها مملوكة له بإنفاقها على أمور خاصة به، ومن ثم تكون جريمة اختلاس الأموال العامة محل التهمة الأولى المسندة له متحققة الأركان إسنادها إليه، كما أنه وحال علمه بأن تلك الأموال متحصلة من جريمة الاختلاس سالفة البيان قام بشراء 13 سيارة، وهو عالم بأن تلك الأموال متحصل عليها من جريمة بقصد إخفاء وتمويه مصدر الأموال غير المشروع، إمعانا منه لإعادة إظهاره في صورة مال مشروع رغم علمه بأنه متحصل من جريمة اختلاس الأموال العامة، الأمر الذي يقطع باتجاه نية المتهم إلى إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها لإضفاء المشروعية عليها، وهو ما يحقق عناصر تهمة غسل الأموال وصحة إسنادها إليه. وقد حقق بذلك زيادة في ثروته غير مبررة وهي حصيلة الأموال المختلسة محل تهمة الاختلاس في البند الأول، حال كونه وزيراً للداخلية.

ورأت المحكمة أنه ثبت استغلال الوزير لأعمال ونفوذ مركزه وحصوله على تلك الأموال نتيجة هذا الاستغلال، ودون أن يفصح عنها متعمداً عند تقديم إقراري الذمة المالية المؤرخين 2022/11/16 و2024/5/9، إذ قدمهما ناقصين أثناء شغله لمنصبه الوزاري، وبعد تركه له، وهو ما يوفر في حقه أركان تهمتي الكسب غير المشروع وتقديم المتهم لإقراري الذمة المالية ناقصين على النحو الذي جرى عليه تقرير الاتهام.

تصرف غير مفهوم

وأكدت أنه لا يدرأ الاتهام عن المتهم ما قرره بالتحقيقات، وما أورده دفاعه من أن جل المبالغ المصروفة من بند المصروفات السرية كانت لمصادر سرية وأمنية تصرف مباشرة من الوزير - المتهم - وعن طريق ضابط في الوزارة، واستندا في ذلك إلى إيصالات مقدمة من الضابط للتدليل على صحة هذا الدفاع، فإن المحكمة وبعد إحاطتها بتلك الإيصالات وما حوته من بيانات، يبين لها أن إجمالي ما صرف من الوزير المتهم بحسب ادعائه خلال الفترة، من أبريل وحتى أغسطس 2023 يجاوز مليوني دينار على مصادر سرية وأمنية.

وبينت أن تلك العمليات جرت بوتيرة متسارعة زمنياً ومتلاحقة من الوزير مباشرة، حسب زعمه إلى مصادر سرية وأمنية، بصورة تستعصي على الفهم ولا تتفق مع العقل والمنطق، من حيث قيمتها وعددها وتوقيتها في الفترة الزمنية القصيرة، وقد جاءت تلك الإيصالات بالمبالغ المصروفة للمصادر السرية والأمنية بمبالغ تجاوز المليوني دينار خلال الفترة المذكورة دون أن تحمل اسماً أو رمزاً يشير إلى شخص متسلمها أو توقيعه، وحملت توقيع الضابط محررها فقط، ولا ينال من ذلك أنه في بعض الإيصالات تم تدوين مناسبة الصرف للمصدر السري أو الأمني، طالما خلت تلك الايصالات من بيان شخص المتسلّم أو الترميز له، واقتصرت على اسم وتوقيع مقدمها ومحررها الضابط فقط.

وأوضحت المحكمة أنها لا تطمئن إلى كل ما ورد بتلك الإيصالات من بيانات ولا إلى أقوال المتهم التي جاءت دونما دليل معتبر يساندها في الأوراق، وجاءت مخالفة للحقيقة والواقع الذي وقرَ في يقين المحكمة في شأن صحة تصويرها للواقعة.

أموال عامة

وشدّدت المحكمة على أنه لا يجدي المتهم نفعاً قوله في التحقيقات، وما جاء بمعرض دفاعه، بأن الوقائع محل الاتهام يجب ألا يتدخل فيها القضاء لكونها من أعمال السيادة، وأن المبالغ التي صرفت محل الاتهام مخصصة لأغراض الأمن القومي وسيادة دولة الكويت، وهي أمور سرية لا يجوز الإفصاح عنها تتعلق بمصلحة الدولة العليا وسيادتها وسلامة أراضيها، وذلك بعد أن اطمأنت المحكمة إلى أدلة الثبوت على النحو المتقدم، وأن المتهم قد قام باختلاس الأموال محل الاتهام، ولم يقم بصرفها في القنوات التي تحقق مصلحة وزارة الداخلية أو لأغراض الأمن القومي وسيادة الدولة، وجاء قوله هذا مرسلاً لا يعززه أو يسانده أي دليل في الأوراق، ومحاولة منه لدرء الاتهام والإفلات من العقاب، لاسيما أن المحكمه لم تطمئن إلى الإيصالات المقدمة من الضابط على النحو السالف بيانه.

وذكرت أنه لا ينال من ذلك دفاع المتهم بعدم وجود تنظيم قانوني أو لائحي أو ثمة قرارات إدارية تضع آلية منضبطة تحكم صرف الأموال من بند المصروفات السرية لوزارة الداخلية، ووجود فراغ تشريعي متعمد بهذا الشأن، نظراً لطبيعة أوجه إنفاق الأموال المخصصة لهذا البند على أمور تتعلق بالأمن القومي للبلاد ومصالحها العليا، فإن هذا الدفع في غير محله، ذلك أن المادة 80 من القانون 30 لسنه 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة، تبيّن أن المشرع قد نظم أوجه صرف المصروفات السرية، بحيث تصرف في حدود الاعتمادات المقررة بالميزانية الخاصة بالوزارة وفي الأغراض التي خصصت من أجلها، فالمصروفات السرية ليست مالاً مباحاً، وإنما هي مال عام له حرمة، يلزم أن ينفق في ما خصص له تحقيقا للمصلحة العامة للجهة المخصص لها هذا الإنفاق، فإن حاد هذا الإنفاق عن الصراط وتم استباحة المال العام ممن هو في عهدته وأؤتمن عليه تحقيقاً لمصالح ومنافع شخصية وجبت المساءلة وحق العقاب، وهو ما تحقق في القضية الماثلة في حق المتهم·

تحريات صادقة

وتابعت المحكمة في حيثيات الحكم بأنه لا يقدح في تصرف الوزير ما أثاره دفاع المتهم من عدم جدية التحريات وباقي الدفوع الموضوعية، ومنها أن السيارات محل الاتهام من متحصلات استثماراته العقارية وأمواله الخاصة وليس من أموال بند المصروفات الخاصة بوزارة الداخلية، ذلك فضلاً عن أن دفاع المتهم لم يقدم دليلاً معتبراً يحمل هذا الدفاع وتطمئن إليه المحكمة، فإنه من حق المحكمة أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق.

ولفتت إلى أن وزن أقوال الشهود وتقديرها وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب، وأنها متى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها طرحت جميع الاعتبارات التي ساقها لحملها على عدم الأخذ بها، وللمحكمة أن تعول على تحريات الشرطة، باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة أخرى، طالما آنست فيها الصدق واطمأنت إليها وقدرت جديتها، وقد اطمأنت هذه المحكمة إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة على النحو المتقدم، المؤيدة بتحريات المباحث وأقوال مجريها، ومما ثبت بمستندات الدعوى المرفقة، فإنها تلتفت عن دفاع المتهم بنفي الاتهام وإنكاره، وتصوير الواقعة بصورة مغايرة للصورة التي اطمأنت إليها المحكمة، ولا يعدو ذلك إلا أن يكون دفاعا قصد به التشكيك في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة.

ورأت أنه وعما يثيره دفاع المتهم من باقي الدفوع الموضوعية، سواء ما تعلق منها بتصوير الواقعة أو بنفي التهم المسندة إليه، أو بعدم توافر أركانها، أو المجادلة في تقدير الأدلة التي اقتنعت بها هذه المحكمة والأدلة التي أخذت بها المحكمة أو غيرها، فلا يعدو كل ما تقدم إلا أن يكون جدلاً موضوعياً تلتفت عنه المحكمة.

اقتراف الجرم

وبناءً على ما تقدم، رأت المحكمة أنها وبعد أن أحاطت بواقعة الدعوى وبأدلة الثبوت فيها، وعرضت لدفاع ودفوع المتهم على النحو السالف بيانه، فإنها تخلص إلى صحة إسناد كل التهم المشار إليها للمتهم، ويكون قد ثبت لديها يقيناً أن المتهم في الزمان والمكان المبينين بتقرير الاتهام قد اقترف الجرائم المسندة إليه الواردة بتقرير الاتهام، ومن ثم تقضى بمجازاته بالمواد 1/2، 3، 9، 16 من القانون رقم 1 لسنة 1993 في شأن حماية الأموال العامة، والمواد 2/ أح ب، 27، 28، 1/40-2 من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والمواد 1، 2-1/2، 6-4-3-2/22، 47، 48، 49 من القانون رقم 2 لسنة 2016 في شأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية، وعملا بالمادة 1/172 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، مع إعمال المادة 84 من قانون الجزاء للارتباط بين التهم المسندة للمتهم، لانطوائها مشروع إجرامي واحد ومجازاته بعقوبة الجريمة الأشد اختلاس الأموال العامة وحيث إن مناط القضاء بعقوبة العزل في الحالات التي يجوز فيها ذلك قانوناً، أن يكون المحكوم بعزله قد ارتكب الجريمة حال شغله للوظيفة، ولا أثر لاستمرار بقائه فيها حتى صدور الحكم أو إنهاء أو انتهاء خدمته الوظيفية، ذلك أن الفائدة من الحكم بهذه العقوبة بهذه الحالة الأخيرة، هو أن يمنع من إعادة توظيفه المدة التي يقررها الحكم، سواء كان العزل موقتاً أو مطلقاً، فإنه من المتعين تطبيق أحكام المادة 16 من القانون رقم 1 لسنة 1993 في شأن حماية الأموال العامة، بعزل المتهم من وظيفته.

الحكم

وخلصت المحكمة إلى أنه لما كانت من متحصلات جريمة غسل الأموال التي ارتكبها المتهم هي السيارات المنوه عنها سلفاً، فإن المحكمة تقضي بمصادرتها عملاً بالمادتين 2/28، 1/40 من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة المتهم طلال خالد الأحمد الصباح، بالحبس سبع سنوات مع الشغل والنفاذ، وذلك عن التهم المسندة إليه، وبرد مبلغ 9 ملايين و572 ألفاً و339 ديناراً، وبتغريمه مبلغ 19 مليوناً و144 ألفاً و678 ديناراً، وبعزله من وظيفته، وبمصادرة السيارات حصيلة جريمة غسل الأموال.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي