الصراع التركي - الإيراني... هل يتجدّد؟

تصغير
تكبير

الصراع الذي تمثّل في حروب دامية بين ما يطلق عليه بعد الحرب العالمية الأولى بإيران وتركيا لربما له جذور تاريخية ممتدة من عام 1514 إلى 1823 حيث خاض الطرفان 13 حرباً انتصر فيها العثمانيون (الأتراك) 6 مرات والإيرانيون (على مختلف مسميات دولهم) 6 مرات وواحدة لم يكن النصر حاسماً لأي منهما، أي أنهما متعادلان أو بالأحرى خاسران.

في الوقت الذي حكم العثمانيون 624 عاماً متواصلة من 1299 إلى 1923، فقد توالى على حكم فارس خلال هذه الفترة خمسة أنظمة خاضت حروباً مع الدولة العثمانية وهي: الصفوية من 1501 إلى 1736 ثم الهوتاكية من 1722 إلى 1729 وبعدها الأفشارية من 1736 إلى 1796 ثم الزندية من 1750 إلى 1794 وأخيراً القاجارية من 1785 إلى 1925.

وانتهى هذا الصراع بدخول بريطانيا العظمى في المنطقة لتطيح بنظام حكم الدولتين، حيث نلاحظ أن الدولة القاجارية انتهت في عام 1925، لتأتي حكومة علمانية يحكمها العسكري رضا بهلوي، في حين أن الدولة العثمانية قد انتهت في شهر أكتوبر عام 1923، ليحل حكم تركي علماني على يد العسكري مصطفى أتاتورك، بدلاً من الخلافة العثمانية.

خلال تلك الحروب قتل مئات الآلاف وتم تهجير مضاعفهم، كما جرت دماء المذابح، علاوة على هدر مقومات الأمة الإسلامية وإضعافها ما مهّد إلى دخول المستعمر الذي انقض وفرض وقرض!

لقد انقضت بريطانيا على الدولتين وأنهتهما بعد معاهدة لوزان، وفرضت أوضاعاً سياسية بمقتضى وسيلة

(فرّق تسد) بمقتضى اتفاق سايكس بيكو، وقرضت من أوصال الدول فوزّعت وزرعت الكيان الغاصب تنفيذاً لوعد بلفور.

لقد تواجه العثمانيون والإيرانيون بحراب الموت تحت شعارات خاوية، ومع الأسف دفعت الأمة الإسلامية والعربية أثمان ذلك الاحتراب الفتنوي في فواتير طويلة

لا تزال تثقل كاهل العرب والمسلمين وجميع الناس الذين يعيشون في هذا المكان.

اليوم، يبدو أن بعض القوى الدولية والمحلية تود أن يتجدد ذلك الاحتراب ليثخن الجراح في الأمة الإسلامية وشعوب المنطقة من جانب ولكي يؤمن سلامة الكيان الغاصب من جهة أخرى. وقد يكون السيناريو المثالي لبعض القوى الدولية والكيان الصهيوني هو أن يتجدد ذلك الصراع في المساحة الجغرافية الأكثر حساسية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الواقعة في بين سورية والعراق حيث تخوم إيران وتركيا ووجود النزاع وجميع المقبلات الشهية التي تستطعمها القوى الصهيونية.

من جانب آخر، المشكلة الهزلية في جدلية هذا الصراع هي أن المساحة التي تتم المواجهات عليها هي مواطن العرب! ومحور المشروع المتنازع عليه هو بالدرجة الأولى عربي المتمثل في فلسطين وسورية ولبنان والعراق! وأكثر من يدفع الثمن هي الشعوب العربية!

المشكلة الأعظم، هو أن الكثير من الشعوب العربية ينحاز مع هذا الطرف أو ذاك في أطراف معادلة الصراع الإقليمية والدولية، بينما يتناسى أن السياسة لا تحكمها إلا المصالح ومعظم هذه الأطراف إن لم يكن كلها لا تراعي إلّا مصالحها بالدرجة الأولى.

إنّ استمرار العقل العربي العاطفي والماضوي في التحكم بالأفكار قد أوجد سيكولوجية منهزمة ومريضة يائسة لا ترى سبيلاً لمستقبل النهوض والاستقلال، ومعتمدة على الغير للبناء في مقابل الولاء! وهنا تكمن إحدى المعضلات الكبرى التي يواجهها العرب في قانون الصدمة والتحدي والاستجابة، الذي تحدث عنه المؤرخ الفيلسوف ارنولد توينبي، وبالتالي فقدنا كأمة إسلامية الفرص الذهبية التي كان يمكن أن تمكننا من التعلم والازدهار كبقية الأمم، ولكننا غدونا في محل أطماع العدو الذي طالما يسخر منّا ويضحك على مآسينا ويتحكّم بمصيرنا، ونحن لا نزال نزور مقابر الماضي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي