الإسكاتولوجيا (علم النهايات)... والخلود الرقمي!

تصغير
تكبير

الإسكاتولوجيا Eschatology أو ما يسمى بعلم النهايات، هو مفهوم يتمركز على دراسة رؤية الحضارات الإنسانية لنهاية العالم. ولا يتوقف هذا المفهوم عند شرح رؤية الأديان والثقافات الإنسانية البائدة والحاضرة لكيفية نهاية العالم، بل يتعداه للكشف عن رؤية النظريات العلمية التي تتناول السيناريوهات المحتملة لنهاية الإنسان وعالمه في الكرة الأرضية.

لربما الحديث يطول حول رؤية الحضارات والديانات المختلفة لنهاية العالم حيث يذهب كل منها إلى شكل محدد يؤمن به، لكن ما يلفت النظر هو التطور الكبير في الرؤية العلمية لسيناريو نهاية سيطرة المخلوق البشري على الحياة في كوكب الأرض.

في السابق كان معظم النظريات العالمية يسلّط الضوء على احتمالات التصادمات والتغيرات الفلكية التي لربما تنهي الكوكب البشري، أو احتمالات نشوب حرب نووية عالمية تؤدي إلى زوال العنصر البشري أو اختفاء الكرة الأرضية برمتها، لكن اليوم ومع التطور الثوري للذكاء الاصطناعي تغير السيناريو فأصبح قريباً من الواقع!

التطور في علوم الروبوتات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي بلغ فيها الحد إلى أنها قادرة على تطوير نفسها بشكل يتعدى القدرة البشرية التي كان لها الدور في تطوير نسختها الأولى. وهذا التحول يقود إلى تخوفات مفادها بأن المختصين قد لا يفهمون كيف تعمل هذه الآلات ما يفيد بتفوّقها على ذكاء البشر.

هذا التطور الكبير قاد إلى فكرة تطوير استنساخ «الإنسان الآلي» الذي يعتبر نسخة مطابقة في التفكير والإحساس والسلوك للشخص المستهدف. بمعنى آخر، يتم صناعة إنسان آلي مشابهة لشخص ما من خلال دراسته العضوية الطبيعية وتحويلها إلى برمجة آليه للوعي والدماغ بحيث تفكر وتتصرف على النحو ذاته لذلك الشخص. منذ إطلاق مبادرة الدماغ الدولية في عام 2013، أخذت التجارب تتطور لفهم كيفية عمل هذا العضو الدقيق للبشر بحيث يتم بناء نسخة مطابقة لها لأي شخص.

ومن هنا خرجت فكرة ما يطلق عليه بـ«الخلود الرقمي» أي صناعة شخصية رقمية متطابقة مع إنسان ما بحيث يمكن التعامل معها حتى بعد موت ذلك الشخص. قد تكون هذه الأفكار وهماً أو خيالاً بالنسبة للبعض ولكنها أخذت مساراً نحو الحقيقة إذ بدأ بعض الشركات والجهات العالمية بعمل تجارب لها قفزات نوعية في ما أطلق عليه بمحاورة الموتى! يمكن من خلال ذلك اختلاق نسخة متطابقة مع شخصية ما، من حيث الوعاء الدماغي والعصبي ورقمنتها بحيث تحاكي ذات الشخصية المستهدفة لكي تستمر بالحياة بعد موت النسخة البشرية الأصلية.

لا تزال هنالك شكوك حول التطابق التام بين هذه الشخصيات الآلية مع المشابهة لها من البشر الحقيقيين، ولكن وفقاً لآراء بعض المختصين إذا استطاعت هذه التجارب من فهم خريطة الاتصالات العصبية للدماغ ودمجها في تقنيات الذكاء الاصطناعي فمن الممكن صناعة شخصيات رقمية تتميز بالخلود ومحاكاتها تماماً كما يتم التعامل مع الشخصيات المتطابقة معها خصوصاً إذا كانوا من العلماء والمبدعين بحيث يستمر الانتفاع منهم بعد موتهم، أو لربما البعض الذي يود أن يستمر بمحاكاة والتعامل مع شخصية قريبة عليه بعد فراقها للحياة.

كل تلك التجارب والقفزات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي تقودنا إلى عالم جديد سيعيد تشكيل علاقاتنا وأفكارنا وإعادة ترتيب الحياة البشرية، ولربما يقود إلى إعادة تعريف علم النهايات (الإسكاتولوجيا). ومن هنا تقفز على السطح أسئلة مثيرة، ولعلها تبدو مضحكة في وهلتها الأولى، مثل هل يمكن استمرار هيمنة شخصيات أو جماعات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية على الحياة من خلال النجاح في رقمنة نسخة متطابقة معها؟ كيف يمكن للتشريع البشري التعامل مع هكذا «مخلوقات آلية»؟ ما هو مصير الإنسان بعدما يتحول إلى المرتبة الثانية من حيث الذكاء بعد الآلات البشرية؟ هل يمكن أن تتحكم هذه الآلات فائقة الذكاء في مستقبلنا ونمطية حياتنا وتكون بداية لنشأة أعراف وعلاقات وتقاليد مجتمعية جديدة تضع قواعدها آلات منزوعة من الأحكام البشرية العنصرية أو الإنسانية والمدنية؟ وأخيرها، هل ستكون عملية استعباد البشرية من صناعة يدها بنفسها؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي