«الغابة» بريئة من علاقاتكم المعقّدة

صالح الدويخ
صالح الدويخ
تصغير
تكبير

يُقال إن الساحة الفنية أشبه بـ«الغابة»، وهو وصف يحمل في طياته إحالات رمزية تعكس صراعات، تنافساً، ومصالح تختلط فيها الدوافع الإنسانية بالعلاقات المهنية. لكن لماذا يُطلق هذا الوصف؟ وهل هو تعبير عن حقيقة قائمة أم مجرد مبالغة خطابية تصوّر الجانب المظلم من الوسط الفني؟

الغابة عادة ترمز عبر التاريخ إلى مكان الفوضى والقانون الطبيعي حيث البقاء للأقوى. في الساحة الفنية قد يُنظر إلى العلاقات بين الفنانين وصنّاع المحتوى كصراع من أجل إثبات الذات، الحفاظ على المكانة، أو حتى النجاة في ظل منافسة شديدة، لذلك نجد بعض الفنانين يرى النجاح كمورد محدود، يجب القتال من أجله بكل الوسائل، وهنا تتحول العلاقات إلى حروب نفسية ومنافسات. قد تكون طبيعة العمل الفني نفسه هي السبب، فالأعمال قائمة على مشاريع وقتية تجمع أطرافاً ثم تفرّقهم بمجرد انتهاء المشروع، ما يولد علاقات سطحية محكومة بالمصلحة.

معظم العلاقات الفنية تُبنى على احتياجات مهنية، فالممثل يحتاج للمخرج، والمخرج يحتاج للممول، لكن بمجرد انتهاء المشروع قد تختفي العلاقة، ورغم هذا نجد صداقات حقيقية في الوسط الفني، لكنها عادةً ما تتشكل بين أشخاص يتشاركون قيماً أو رؤية مشتركة. أيضاً، لا نغفل عوامل الغيرة والمنافسة التي تجعل التعاون بين بعض الفنانين صعباً، ما يُضعف قوة العمل الجماعي الضروري لنجاح أي مشروع فني.

للأسف، الصراعات في الوسط الفني ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر تطوراً وتعقيداً بفعل التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. كثيراً ما تُستخدم الإشاعات كوسيلة للترويج أو للتقليل من قيمة منافس، كما تُستغل العلاقات للترويج أو للحصول على أدوار معينة، لكن هذه الإستراتيجيات قد تؤدي إلى تدمير الثقة بين الأطراف.

ما يحدث في الوسط الفني ليس معزولاً عن الواقع الاجتماعي، بل هو انعكاس للظروف الاقتصادية والثقافية التي تؤثر في كل المهن، كما أن العلاقات في الحياة العادية قد تكون قائمة على المصلحة، كذلك الوسط الفني، لكنه مكشوف أكثر، لأن الفنانين تحت الأضواء دائماً، وفي خضم هذا الصراع، يجب ألا ينسى الفنانون أن لهم دوراً أخلاقياً وفنياً يتجاوز كل ما ذكرناه، وأن هدفهم الأساسي هو تقديم إبداع حقيقي يُلهم الجمهور.

نهاية المطاف: لا تحمّلوا الغابة ذنب علاقاتكم، فهي ملاذ واستقرار الكثير من الكائنات الأليفة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي