رأي نفطي

السيناريوهات المستقبلية لأسعار النفط

تصغير
تكبير

بين الفائض النفطي وضعف الطلب، يبدو أن المشهد النفطي في العام الجديد يحمل في طياته تحديات عدة قد تكون امتداداً لما شهدته الأسواق العالمية في العام الماضي. أسعار النفط الحالية، التي تتراوح في نطاق 77 دولاراً للبرميل مع إغلاق الأسواق بسبب عطلات نهاية العام في أميركا وأوروبا وبعض الأسواق الآسيوية، لا تبعد كثيراً عن حاجز 80 دولاراً، وهو مستوى قد يعتبره البعض مستقراً نسبياً لكنه يحمل في طياته إشارات إلى تعقيدات آتية.

ورغم أن التباطؤ في النشاط التجاري والمضاربات خلال موسم العطلات قد يفسر هذا الاستقرار الموقت، إلا أن هناك عوامل بنيوية أساسية تحكم المشهد النفطي. أولها الفائض الكبير في المعروض النفطي عالمياً، خاصة من الدول المنتجة الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، كندا، والبرازيل. هذه الدول تستمر في زيادة إنتاجها النفطي دون أي التزام بتخفيضات منظمة «أوبك+»، مما يعزّز من التخمة في الأسواق ويضع ضغوطاً إضافية على الأسعار.

وفائض الإنتاج، في العام الحالي يبدو أنه يسير على خطى العام الماضي، حيث شهدنا وفرة في المعروض النفطي مع ارتفاع إنتاج الدول غير الأعضاء في «أوبك+». هذه الدول، التي لا تخضع لالتزامات خفض الإنتاج أو القيود المفروضة، تمكنت من الاستفادة من سياسات «أوبك+» التي تهدف إلى استقرار الأسعار، لتواصل إنتاجها دون أي ضغوط تُذكر. في الوقت ذاته، تضطر الدول الأعضاء في المنظمة، وعلى رأسها السعودية وروسيا، إلى تحمل عبء خفض الإنتاج لدعم استقرار السوق ومنع انهيار الأسعار.

وتشير البيانات الحالية إلى أن منظمة «أوبك+» تمتلك طاقة نفطية قابلة للتصدير تُقدر بنحو 6 ملايين برميل يومياً. هذه الكميات موزعة بين خفض إنتاج اعتيادي بمقدار 4 ملايين برميل يومياً وخفض طوعي من قِبل بعض الدول الأعضاء بمقدار 2 مليون برميل يومياً. ورغم أن الخفض الطوعي كان من المقرر أن ينتهي في يونيو من العام الماضي، إلا أنه استمر وتم تمديده إلى أبريل من العام الحالي، مع احتمالية التمديد حتى نهاية عام 2026، وهي فترة طويلة قد لا تكون مريحة لبعض الدول الأعضاء بسبب الأعباء المالية المصاحبة لذلك.

ويمثل الحفاظ على هذه الكميات المخفّضة والمحتجزة معضلة اقتصادية حقيقية للدول المنتجة، بدءاً بالكلف المرتبطة بالإنتاج والتخزين، بالإضافة إلى فقدان القيمة المضافة لهذه الكميات، حيث تُشكّل ضغطاً متزايداً. ومع استمرار التخمة النفطية في الأسواق، يبدو من غير المرجح أن تقوم «أوبك+» بفك أسر هذه الكميات قريباً، خاصة في ظل التوقعات بفائض نفطي يبلغ نحو 1.2 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي.

هذه التخمة تأتي في وقت تبدو فيه التوقعات بشأن الطلب العالمي على النفط غير مشجعة. فبينما تشير تقديرات السوق إلى زيادة متواضعة تتراوح بين 500 ألف برميل إلى 1.3 مليون برميل يومياً، تتوقع منظمة أوبك نمواً أعلى يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً. إلا أن المخاوف الكبرى تتعلق بالصين، المحرك الأساسي لزيادة الطلب على النفط عالمياً. إذ إن الأداء الاقتصادي للصين في العام الماضي كان دون التوقعات، ومع عدم وجود مؤشرات واضحة على تحسّن كبير في النمو الاقتصادي الصيني، قد يبقى الطلب على النفط ضعيفاً، مما يعني استمرار التخمة النفطية وانخفاض الأسعار.

في ظل هذا الوضع، قد تستمر أسعار النفط في التحرك ضمن نطاق مشابه للعام الماضي، أي بين 70 و77 دولاراً للبرميل، وهو مستوى بعيد عن التوقعات الطموحة للدول التي تعتمد بشكل رئيسي على إيرادات النفط. بالنسبة لهذه الدول، التي يعتمد أكثر من 80 % من دخلها على صادرات النفط، فإن الأخبار غير مشجعة على الإطلاق. واستمرار هذا الوضع يعني مزيداً من العجز المالي، كما حدث في السنوات الخمس الماضية، مع اعتماد متزايد على الاقتراض أو بيع الأصول لتغطية الفجوة في الموازنات.

إزاء ذلك، قد يكون البحث عن بدائل اقتصادية هو السبيل الوحيد للتكيف مع التقلبات المستمرة في سوق النفط، منها تنويع مصادر الدخل، تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتحقيق إصلاحات اقتصادية شاملة قد تكون الخطوات اللازمة لضمان استدامة الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد الكامل على النفط.

وفي النهاية، يبدو أن العام الحالي سيشهد استمراراً للتحديات التي تواجه أسواق النفط. التوازن بين العرض والطلب لايزال هشاً، والأسعار قد تظل تحت ضغط التخمة والطلب الضعيف، مما يضع «أوبك+» أمام اختبار صعب في كيفية إدارة هذه المعادلة وتحقيق استقرار مستدام.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي