صح عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم». إنّ اليبوسة الفكرية التي توجد عند بعض الناس ليست في معظمها موروثة عن الآباء والأجداد، وإنما هي مكتسبة من البيئة، وما يتعرض له الإنسان من عمليات تربوية وتثقيفية مختلفة.
يأتي التخشب الفكري في الحقيقة من السائد في البيئة الأسرية، والتعليمية، والاجتماعية الضيقة، من مفاهيم وعادات وتقاليد ونُظم، وهذا ما يسميه علماء العلوم الإنسانية: الثقافة أو أسلوب الحياة، فالتفاوت بين عقل وعقل، لا ينشأ من الإمكانات الذهنية الفطرية في غالب الأمر، وإنما من المكتسبات الثقافية والتربوية، وهذا يعني أن تحسّن الحالة العقلية والفكرية للناس مرتبط بتحسن الأوضاع الثقافية.
العقل المتخشب عقل تقليدي، مصادره المعرفية الأساسية المأخوذة من ما قاله وفعله الآباء والأجداد، ولهذا فإنه غنيّ بالبدهيات والمسلّمات والقطعيات، وقد حذّرنا القرآن الكريم من هذه الحالة حين قال: «وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴿٢٣﴾ قَـٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴿٢٤﴾» الزخرف.
إن ما كان عليه آباؤهم من دين وعادات واتجاهات مقدّسات واجبة الاتباع في نظرهم، وهذا جعلهم يُعرِضون عما جاءت به الرسل، وما نزل عليهم في الكتب.
لدى صاحب العقل المتخشب نوع من التخوف من الانفتاح على الواقع، والخوف من الجديد، لأنه يخشى على معتقداته القديمة من التغير، ويعرف أنّ الاستجابة للطروحات الجديدة ستعني نوعاً من الخلخلة للقديم، وهذا ما لا يريده.
وهذا التخوف من الجديد قد يكون بدافع الغرور المبنيّ على وهم التفوق والذكاء والمعرفة الفذة، وقد يكون بدافع من النفور من تحمل تكاليف التغيير الذي يأتي به الجديد، وقد يكون الدافع هو الخوف من المجهول على مبدأ: «الذي تعرفه خير من الذي تتعرف عليه».
صاحب العقل المتخشب يصعب عليه المقارنة بين فكرتين متعارضتين، ليرى ما في كل منهما من الحق والصواب، إنه مصاب بعمى الاختلاف مثلما يصاب البعض بعمى الألوان، فهو لا يرى ما في كل من الفكرتين من الحق والصواب، فالأمور ما بين حق واضح، وباطل صريح، وأحياناً ينخرط صاحب العقل الخشبي في حوار ونقاش مع المخالفين له، فهو يناقش ويناظر ليس من أجل الاهتداء والاسترشاد لما هو أفضل وأصوب، وإنما من أجل إثبات أن ما لديه هو الحق الذي لا محيد عنه، وهذا هو الإجهاض المؤكد لأي نقاش.
لكل ما سبق، نحن في أمّس الحاجة إلى تدريس مواد تؤسس للمرونة الذهنية، والحوار الهادئ، والانفتاح على الجديد، للتقليل من، والقضاء على العقول المتخشبة.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@