مَن يعتقد أن دخول مشاهير «السوشيال ميديا» المفاجئ إلى ميادين الصياهد ومشاركتهم في مزاين الإبل، عبثي، أو أن سوق الإبل مجرد بوابة خلفية لغسل الأموال أو الترويج للممنوعات، فهو واهم.
ومن يظن أن المملكة العربية السعودية تترك مجال الإبل خارج إطار السيطرة والاهتمام والقانون، فهو أيضاً واهم.
ما يحدث في مزاين الإبل في المملكة العربية السعودية ليس وليد صدفة أو حالة فوضوية، بل إنه مشروع مدروس بعناية ومفهوم بعمق، فالدخول إلى هذا الميدان يخضع لموافقات رسمية ودعم وتشجيع من السلطات الرسمية، وهو جزء من رؤية المملكة التي تنظر إلى الأفق البعيد، متجاوزة حدود النظرة التقليدية لموروث الإبل.
تحويل سوق الإبل إلى مشروع اقتصادي ضخم وقبلة سياحية عالمية، ليس قراراً عشوائياً، فكما تطورت الأسواق العالمية للبقر والخيل لتصبح جزءاً من الاقتصاد العالمي، تسعى المملكة لتحويل هذا التراث الخليجي إلى قوة اقتصادية متكاملة.
الإبل، التي كانت تُعرف بـ «سفن الصحراء»، لم تعد مجرد رمز تراثي لخليجنا العربي، حيث إن المملكة تعمل على إعادة تعريف هذا الموروث ليصبح سوقاً عالمية متكاملة تشمل لحوم الإبل، جلودها، وبرها، وألبانها، إضافة إلى جعلها جزءاً من التجربة السياحية التي تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم، ولعل دولة الإمارات الشقيقة كانت قد بدأت بهذه الرؤية في السنوات الأخيرة.
الخطوات التي تتخذها المملكة ليست مجرد استثمار في التراث، بل هي رؤية اقتصادية واضحة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني، وتحويل مهرجانات الإبل إلى منصات اقتصادية وسياحية تعزّز الناتج المحلي وتسهم في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.
قد يبدو للبعض أن ما يحصل في مزاين الصياهد هذه الأيام، غريب أو عبثي، لكن المستقبل قد يحمل مشهداً مختلفاً تماماً، ربما نسمع قريباً عن مشاركة وفود أميركية أو أوروبية في مزاين الإبل، أو عن تنافس عالمي في «شوط الحمر»، أو حتى عن مستثمرين عالميين يسعون للدخول إلى هذا السوق المزدهر.
ما يحدث اليوم في المملكة ليس إلّا البداية، الإبل التي كانت رمزاً للبداوة، تتحول الآن إلى رمز اقتصادي عالمي يعكس رؤية المملكة الطموحة لتوظيف تراثها في بناء مستقبل اقتصادي مستدام.
ودمتم بود...