قائد الجيش يتناول في السعودية «سبل دعم المؤسسة العسكرية»
هل تُقايِض إسرائيل انسحابَها من جنوب الليطاني بسلاح «حزب الله» شماله؟
- تل أبيب تلوّح بتمديد «بقائها» لِما بعد مهلة الـ 60 يوماً وبإقامة المنطقة العازلة
مع طيّ الشهر الأول من هدنةِ الستين يوماً بين اسرائيل و«حزب الله»، تتقاطع المَخاوفُ من تَراكُم الاهتزازاتِ لاتفاق وَقْفِ النار وإمكان تَسَبُّبها بانهياره بعد 27 يناير في ضوء المؤشرات التصاعُدية في تل أبيب إلى أنها
سـ«تمدّد» بقاء جيشها في قرى الحافة الحدودية في جنوب لبنان بما يتجاوز مهلةَ الشهرين، والإشارات المقابلة من الحزب بأن لـ «صبره» تاريخ صلاحية يَنْتهي مع انقضاء المرحلة الانتقالية.
«قطْع الأذرع»
وفيما انشدّتْ العدساتُ أمس إلى فتْح اسرائيل جبهة اليمن في شكل «معركة مستمرّة»، فإن مضيَّ تل أبيب في استراتيجية «قطْع الأذرع» مع إيران وإفقادها واحداً تلو الآخَر ما كانت تَعتقد أنه «أحزمة أمان» لها و«أحزمة ناسفة» حول أجساد خصومها في ساحاتٍ تتساقط من يدها «ورقة ورقة»، يفسّر في جانب منه المنحى الذي تعتمده بتنفيذ وقف النار مع «حزب الله» وفق قراءتها للاتفاق وسطوره «المَمْحية».
وإذ لا توفّر إسرائيل فرصةً لتظهير تفوُّقها في «الميزان» الذي أُرسي وقف النار على أساسه، وإسقاطها ذلك على الميدان الذي هدأ «من جانب واحد»، فإنّ هذا الأمر يصعب فَصْلُه عن المرحلة الجديدة الاقليمية التي دُشنت مع سقوط نظام بشار الأسد، في تَحَوُّلٍ فَرَضَ نفسه على تطبيق اتفاق 27 نوفمبر الذي بات يُنفَّذ بنسخةِ ما بعد 8 ديسمبر السوري بتأثيراته «العازلة» لـ "حزب الله" عن إيران.
ولم يكن مُمْكِناً التعاطي مع إمعان تل أبيب بتوغلاتها داخل الأراضي اللبنانية، وكان آخِرها أمس في وادي الحجير (بعمق 8 كيلومترات) واستمرار احتلالها لأكثر من 60 بلدة جنوبية، وقبْلها توسيع مسرح عملياتها الجوي حتى البقاع، إلا على أنها من علاماتِ ارتياح اسرائيل لِما حَقّقتْه من «حرب لبنان الثالثة» والذي يتيح لها إكمالَ ما بدأتْه دون «أي مواجهةٍ» بعدما باتت تتحكّم بكل خيوط «لعبة النار».
وترى أوساطٌ مطلعة أن تل أبيب بسلوكها الذي ينمّ عن «فائض قوة» تتعمّد تسييلَه جنوب الليطاني وشماله، مع تلويحٍ باستعدادٍ لإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان عجزتْ عن تحقيقها إبان المعارك الضارية، صارتْ واقعياً تضع السلطات الرسمية في بيروت في زاويةِ انكشاف هشاشة اتفاق وَقْف النار ومَضامينه «حمالة الأوجه» التي وافَقَ عليها الرئيس نبيه بري مفوَّضاً من «حزب الله» على حافة تَكَشُّفِ خسائره الميدانية.
وفي رأي هذه الأوساط أن اسرائيل تَستفيد من «وضعية الكماشة» التي أوْجَدَتْها لـ «حزب الله»، بحيث بات غير قادرٍ على أي ردٍّ فعل على ممارساتها الخارقة لوقف النار باعتبار أن ذلك سيستجلب مجدداً الحرب وهذه المرّة بطريقة أكثر تَوَحُّشاً، لن تميّز بين الحزب والدولة (كما توعّد مسؤولون اسرائيليون) وستترجم «سنعود بقوة أكبر» كما تعهّد بنيامين نتنياهو في خطاب إعلان «وقف النار وليس نهاية الحرب».
وتَعتبر الأوساط نفسها أن «رَبْطَ النزاع» الذي يقيمه «حزب الله» تحت عنوان إعطاء «فترة سماح» للدولة والدول الراعية لاتفاق وقف النار لإلزام اسرائيل بوقف خروقها والانسحاب من المناطق اللبنانية التي تحتلها بحلول 27 يناير «وإلا»، يعبّر عن الحَرَج الذي يَجِدُ نفسه فيه أمام عدوّ يقتنص «بالهدنة» ما لم يكن متاحاً «بالنار»، ولكنه يثير أيضاً القلقَ مما قد تنزلق إليه الأمور بعد انقضاء مهلة الشهرين.
وفي تقدير الأوساط أن «الفالقَ» الذي تَحَرَّك منذ «طوفان الأقصى» وتَسبَّبَ حتى الساعة بزلازل متسلسلة أصابت بدايةً هيكل «حزب الله» وأسقطت «حُكْم الأسدين» في سورية وبدأت تهزّ الأرض تحت أقدام الحوثيين ومرشّحة لأن تبلغ إيران نفسها، لا يسمح بتَصَوُّرِ أن يستقرّ الوضع بلبنان قبل أن تَنْجَلي الرؤيةُ بإزاء مسار ومصير ما بقي من «المحور الإيراني»، وهو ما يعني أن البلاد ستبقى على كفّ المجهول.
وليس عابراً ما أوردتْه صحيفة «هآرتس» أمس نقلاً عن مصادر في الجيش الاسرائيلي من أن الأخير يخطط لاحتمال البقاء في جنوب لبنان بعد فترة الـ 60 يوماً «إن لم يتمكن الجيش اللبناني من الوفاء بالتزاماته المضمّنة في اتفاق وقف النار ببسط سيطرته على كامل الجنوب»، موضحة أنه «في هذه الحالة ستبقى القوات الإسرائيلية في المناطق التي تسيطر عليها حالياً حتى يكمل الجيش اللبناني انتشاره».
ولفتت «هآرتس»، إلى أن الجيش الإسرائيلي «موجود حالياً في كل القرى اللبنانية القريبة من السياج الحدودي، وأنه باشر وَضْعَ البنية التحتية لإقامة نقاط عسكرية على طول الحدود الشمالية»، مشيرة إلى أن بعض النقاط ستقام في الجانب اللبناني من الحدود، وناقلةً عن الجيش الإسرائيلي أنه خلال الشهر الأول من هدنة الستين يوماً قَتَلَ 44 عنصراً من حزب الله خرقوا وقف إطلاق النار، وفق تعبيره.
ولم تقلّ دلالة تقارير ربطت التأجيل المرجَّح للانسحاب من الجنوب بأن الجيش اللبناني، الذي يُفترض بموجب الاتفاق أن يَضمن تراجع «حزب الله» من جنوب الليطاني وخلوّ هذه المنطقة من أي وجود عسكري للحزب، لم ينفّذ بعد مضامين هذا الاتفاق - أو يُعطي إشارات إلى أنه سيقوم بذلك في الفترة المتبقية من الهدنة - لجهة القضاء على ما بقي من سلاحٍ للحزب لم تدمّره اسرائيل.
وهذه التقارير الواردة من تل أبيب، وفيها ايضاً أن اسرائيل قضت على 80 في المئة من أسلحة «حزب الله» وبقي 20 في المئة، تعني أن نتنياهو يسير وفق مفهوم بلاده لاتفاق 27 نوفمبر وخصوصاً «شموليته» بما خص سلاح الحزب ووجوب إنهائه جنوب الليطاني وشماله، وسط خشيةٍ من أن يمهّد تمديد احتلال قرى جنوبية لمقايضاتٍ تتصل سواء بوضعية الحزب العسكرية أو حتى بالضغط لتفاهمات «سلمية» مع لبنان.
هوكشتاين
وعلى وَهج هذه التحديات الخطيرة، يتمّ التعاطي مع الزيارة المرتقبة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت غداة السنة الجديدة لترؤس اجتماعٍ «للجنة الرقابة الخماسية» على تنفيذ وقف النار، على أنها ستكون مفصلية لتحديد اتجاهات الريح، فإذا توصّل وفق صيغةٍ «خلّاقة» لتمديد مهلة الستين يوماً شهرين إضافيين يكون أمّن غطاءً لاسرائيل و«مخرجاً» للبنان وحزب الله، وإلا تتعمّق المَخاوف من تداعي الاتفاق بقرار اسرائيل أو خطأ من الحزب.
وكان بارزاً أمس ما أوردْته قناة «العربية» عن أن الغارة الأولى من نوعها منذ 27 نوفمبر التي شنّتها اسرائيل (الأربعاء) على منزل في سهل طاريا غرب بعلبك استهدفت شحنة أسلحة استراتيجية للحزب دَخَلَتْ من سورية فور سقوط نظام الأسد، وهو ما بدا مؤشراً مزدوجاً إلى أن تل أبيب لن تسمح للحزب بإعادة تكوين مخزونه من السلاح وأنها ستستفيد من هذا «التجفيف» بأي حربٍ تتجدّد.
توغل إسرائيلي
وكان الجيش اللبناني أعلن أمس «أن العدو الإسرائيلي يواصل تماديه في خرق اتفاق وقف النار، والاعتداء على سيادة لبنان ومواطنيه وتدمير القرى والبلدات الجنوبية»، مؤكداً «توغل قوات تابعة للعدو الخميس في نقاط عدة في مناطق القنطرة وعدشيت القصير ووادي الحجير - الجنوب»، وموضحاً «ان الجيش عزز انتشاره في هذه المناطق وتتابع قيادته الوضع بالتنسيق مع اليونيفيل واللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار.
في موازاة ذلك، أكدت قيادة «اليونيفيل» أن «أي أعمال تهدد وقف الأعمال العدائية الهشّ يجب أن تتوقف»، موضحة أنها تستمر في حض «الجيش الإسرائيلي على الانسحاب في الوقت المحدد ونشر القوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان والتنفيذ الكامل للقرار 1701 كمسار شامل نحو السلام»، ومؤكدة أنها «تعمل بشكل وثيق مع القوات المسلحة اللبنانية بينما تقوم بتسريع جهود التجنيد وإعادة نشر القوات إلى الجنوب».
وأوضحت أنها «مستعدة للقيام بدورها في دعم البلدين للوفاء بالتزاماتهما ومراقبة التقدّم، يشمل ذلك ضمان خلو منطقة جنوب الليطاني من أي أفراد مسلحين أو أصول أو أسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان واليونيفيل، فضلاً عن احترام الخط الأزرق»، معربة عن «القلق إزاء استمرار التدمير الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في المناطق السكنية والأراضي الزراعية وشبكات الطرق في جنوب لبنان، وهذا يشكل انتهاكاً للقرار 1701».
وفي هذا الوقت، أعلن نائب «حزب الله» علي فياض «ان توغل قوات العدو الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية وصولاً إلى وادي الحجير، يشكل تطوراً شديد الخطورة وتهديداً جدياً لإعلان الإجراءات التنفيذية للقرار 1701 وتقويضاً للصدقية الواهنة للجنة المشرفة على تنفيذه»، مشيراً الى أن «هذا التطور يوجب على الدولة اللبنانية حكومة وجيشاً وجهات معنية، إعادة تقويم الموقف بصورة فورية، ومراجعة الآداء الحالي الذي أظهر فشلاً ذريعاً في الحد من الإمعان الإسرائيلي في إستمرار الأعمال العدائية على المستويات كافة».
عون يزور السعودية
ولم تحجب هذه التطورات الأنظار عن زيارة بالغة الدلالات في توقيتها قام بها قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون إلى المملكة العربية السعودية، تلبية لدعوة من نظيره السعودي رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي، وأعلن أن البحث خلالها «سيتناول التعاون بين جيشَي البلدين وسبل دعم المؤسسة العسكرية في ظل التحدّيات التي تواجهها حالياً لتنفيذ مهمّاتها حفاظًا على أمن لبنان واستقراره».
ورأت أوساط متابعة أن هذه الزيارة تكتسب أهميتها باعتبار أنها على مسافة أقل من أسبوعين من جلسة 9 يناير الرئاسية التي حَدد موعدها رئيس البرلمان نبيه بري، ويُعتبر قائد الجيش المرشح الأكثر جدية (غير المعلن) فيها، والذي تتقاطع المعلومات عند أنه يحظى برضى خارجي وازن، دولي وعربي.