يقول دعاة الهدم والفوضى إن الوطن للغني وحده والمتنفذين أصحاب المحسوبيات، وإنه لا وطن للفقير ومحدود الدخل ومن ينشد العيش الكريم! وإن المقصود من هيبة القانون وقوة الوطن هو حماية الدولة التي يسيطر عليها الأغنياء؟ وأصحاب النفوذ وبارونات المصالح!
والذي نُنْكره ولا يُنكره أعداء الوطنية والفوضى هو تقبيح الوطنية على إطلاقها وإقامة هذه العلاقة الإنسانية بين الإنسان ومسقط رأسه على أساس واحد وهو أساس (البيزات) (الفلوس) وتوزيع الهبات ومنها (الجنسية) على الأقارب!
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن الوطنية على هذا الأساس - سالف الذكر - تقترن بكثير من الشرور والأخطاء ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن الحياة نفسها ما خلت قط ولن تخلو أبداً من شرورها وأخطائها ولكن من اللغو أن نحكم من أجل هذا بإلغاء الحياة والوجود أو إلغاء الوطنية!
وأن نعتقد ولو للحظة أن النظام الذي نستبدله بالوطنية سيأتي إلينا معصوماً من كل نقص مبرأً من كل عيب؟ وفي المثل القديم (الناس مشكاهم لله) حيث إن في نفوس الناس أشياء جمّة لا تحكمها الفلوس ومنها الغيرة الوطنية الصادقة التي تعلموا منها دروس التضحية والنخوة، وهانت عليهم أرواحهم وأرواح أبنائهم في سبيلها (وانظروا في حرب الجهراء وما قبلها التي خاضتها الكويت بحكامها ورجالها) في الوقت الذي لم يكن هناك رواتب للموظفين إنما هي القيم، وهي الكويت بأميرها وشعبها الوفي الأبّي، وانظروا واقرأوا جيداً تضحيات شباب الكويت - رجال ونساء - خلال الغزو العراقي الغاشم، فليس تاريخ الكويت تاريخ بنك أو شركة تجارية حتى نرجع بأطوار الإنسانية إلى توزيع الأسهم والأرباح وتدبير وإدارة الحِصص، ولو كان المال وحده كافياً لخلق الأوطان وإقناع الناس بالتضحية لما كانت هناك حاجة اليوم مع وجود الوفرة المالية إلى الإيمان بالقيم والثوابت المجتمعية (والمواطنة الحقّة)، قال صلى الله عليه وسلم (إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم).
كلا، ليس تاريخ الأوطان تاريخ حيازات زراعية وصناعية أو شاليهات ولا شركات مساهمة، وإنما نرجع إلى تاريخ الأوطان فنعلم يقيناً أنها تقوى وتزدهر بمقدار ما في النفوس من الشجاعة والإقدام والتضحية والصبر على الشدائد وشظف العيش والأيام العصيبة ومواجهة التحديات لحماية بلدهم من خلال الاستعانة بالله، ثم الإرادة الجازمة بالتسلح بالعلم والتعلم والحلم والتحلّم كما فعل - الرعيل الأول - وإنما تزول الأوطان وتضعف القوة وتذهب الهيبة كلما استسلمنا للجدل الدائر في مواقع التواصل الاجتماعي وللترف الفكري، وغلبت علينا الشهوات والماديات فذهبت الفضيلة وحلت مكانها الرذيلة.
فلا جَرَمَ أن هذا فعل دعاة الفوضى والهدم في كل المجتمعات التي أصابها ما أصابها من أفعالهم حيث استداروا على الوطن لتدنيسه، والآن تفرغوا للإسلام والحنيفية السمحة، فزعموا أنه يتعارض مع الوطنية ونعتوه بالعنصرية وعدم قبول الآخر؟
وختاماً، أقول إن سوء التغذية مشكلة عالمية ولجميع الطبقات ولم يقل أحد من أجل هذا إن الطعام باطل أصلاً وفصلاً وإنه يجب الكف مستقبلاً عن الأكل والشرب!
ومن لغو الحديث أن نقول إن الضمير الإنساني عليه أن يكف عن الاعتقاد وعن التدّين لأن بعض العقائد ممزوجة بالخرافات والخزعبلات!
وليست المسألة في طعام الجسد ولا في طعام الروح لأن هناك أطعمة فاسدة وشهوات جامحة لا نهاية لها... وإنما المسألة أن هناك معِدة تطلب غذاء الجسد وهناك ضميرٌ يطلب غذاء الروح، وهناك في ما بيننا من يريد أن يدمر الوطنية! بالتزوير والازدواجية غير المشروعة والترقيع.
فهل نعي هذا؟