سؤال طرحته سارة، البالغة من العمر ستين عاماً، وهي ترى البحر للمرة الأولى في حياتها.
إليكم الحكاية:
التقيت بصديقة فلسطينية اسمها نجاح، تعمل مديرة مدرسة في بيت لحم، في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة، وتهتم بالأنشطة الطلابية وتنمية قدرات المعلمات وتأهيلهن نفسياً، كي يقمن بواجباتهن على النحو المطلوب. التقيت بها في تركيا مع صديقات عدة، كل واحدة منا أخذت إجازة من عملها كي تبحث عن النقاهة، وتأهيل النفس إيجابياً.
قالت لي نجاح قصصاً كثيرة لفتيات من فلسطين، الكثير منها قصص تفطر القلب، واستوقفتني قصة سارة، التي تعيش في الريف ببيت لحم مع والديها الطاعنين في السن... كان السفر بالنسبة لسارة عبارة عن انتقالها من الريف إلى المدينة والعكس، فمنطقتهم محاطة بسياج أمني يُمنَع اختراقه. طوال الـ 60 عاماً لم ترَ البحر، ولا تعرف التلفزيون أو التلفون، لذلك لم تكن تعرف ماء البحر، فضلاً عن أنها أمية.
تعمل سارة عاملة نظافة في المدرسة، وتغمرها السعادة عندما تستمع لنقاش الطالبات مع معلماتهن.
حصلت نجاح على رُخصة من الكيان المحتل بالذهاب في رحلة مع طالبات المدرسة إلى يافا لرؤية البحر. وطلبت نجاح من سارة الذهاب معهن في الرحلة، ووصفت حالة سارة بالذهول والخوف الممزوج بالسعادة، فأثناء رحلتهن في الحافلة كانت سارة تكثر من الأسئلة حول البحر، كم دلواً يملأ ماءُ البحر؟ هل للبحر نهاية؟ وهل بعد البحر الجنة التي نسمع عنها؟
وعندما وصلن ركضت سارة وألقت نفسها في البحر من دون وعي، وهي سعيدة جداً.
نعلم أن الطفل عندما يذهب أول مرة للبحر وهو في عمر الثانية أو الثالثة يكون في قمة السعادة، ثم يعتاد رؤية البحر في مراحل حياته حتى يصبح البحر أمراً عادياً، في الوقت نفسه تقف امرأة في الستين من العمر تضحك بسعادة غامرة، فأخيراً استطاعت رؤية البحر ولو مرة في حياتها قبل أن تموت.
لا أستطيع أن أصف شعوري تجاه قصتها، فقد شعرت بأنني سعيدة لسعادتها، وحزينة لعيشها في وطنها من دون أن تنعم بخيراته وأمنه.