إبّان الأحداث الكبيرة والمستجدّات المتسارعة، أحرص على متابعة البرامج الحوارية، الأسبوعية منها والاستثنائية الخاصة بالأحداث، من أجل تكوين تصوّر موضوعي بشأن تلك الأحداث ومستجدّاتها. وبطبيعة الحال، أحرص على مشاهدة المتميزة من هذه البرامج الحوارية، وتفادي الأخرى. فمن جانب، هذه البرامج المتلفزة كثيرة، لا يمكن متابعتها كلها. ومن جانب آخر أهم، القليل من هذه اللقاءات الحوارية يستحق المشاهدة، غير مُشوّهة بأحادية الطرح والحوار، ولا مَشوبة بتعدّد الطرح الخواء والهراء.
الحدث الأكبر هذه الأيّام هو إسقاط نظام الأسد في سورية، والمستجدات الأكثر تسارعاً هي تلك المتعلّقة بالمرحلة الانتقالية وإعادة تشكيل النظام في سورية. لذلك حرصتُ على متابعة عدد من البرامج الحوارية المتميزة حول الأحداث في سورية، وكان من بينها اللقاء الذي جمع أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن البروفيسور فوّاز جرجس، مع الباحث السياسي في الولايات المتحدة الأستاذ إيهاب عبّاس، للتحاور حول الإستراتيجية الأميركية الجديدة في سورية.
كما جرت العادة في البرامج الحوارية المتميزة، الضيفان من حيث المعلومات أثريا النقاش بمعلومات مُوثّقة مهمّة، ومن حيث الآراء، تناقضت آراؤهما في عدد من المحاور، وتباينت جزئيّاً في عدد آخر من المحاور، وتطابقت كلياً في محاور أخرى.
قد تكون المعلومة الأكثر أهمية في البرنامج هي التصريح الذي نقله البروفيسور جرجس، عن المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العالمي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، السفير الأميركي جيمس جيفري، وتحديداً قوله إن قائد «هيئة تحرير الشام» السيد أحمد الشرع، كان على اتصال مباشر معه، وأن الهيئة قدّمت للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش»، معلومات استخباراتية في غاية الخطورة، أدّت إلى اغتيال أبو بكر البغدادي والعديد من قيادات «داعش».
وعلّق البروفيسور على هذا التصريح بالقول إن التعاون بين الهيئة والولايات المتحدة قائم منذ سنوات، ضمن جهود الهيئة المتواصلة لطمأنة العالم تجاه هويتها وطبيعتها الجديدة، لإخراجها من قائمة الإرهاب.
وأما آراء ضيفي البرنامج الحواري، فمن باب المثال على التناقض بين بعضها، أكتفي بالإشارة إلى رأييهما حول مستقبل الدعم الأميركي لقوات سورية الديمقراطية «قسد»، ذات الغالبية الكردية، المشتبكة حالياً في قتال بالأسلحة الثقيلة ضد فصائل «الجيش الوطني السوري» المدعومة من تركيا. فأحد الضيفين يرى أن أميركا باعت «قسد» وأجبرتها على الانسحاب من مدينة منبج – الواقعة في شمال سورية – من أجل كسب ود تركيا، اللاعب الأقوى في سورية الجديدة. في حين يستبعد الضيف الآخر أن تتخلّى أميركا عن «قسد»، لأنها تستطيع توظيفها كورقة ضغط أمام النظام السوري الجديد، وأمام جارتي سورية: تركيا والعراق.
وأمّا التباين الجزئي بين آراء الضيفين، فأكتفي من باب المثال بالإشارة إلى رأييهما بشأن موقف ترامب تجاه سورية. فأحدهما يجزم باستمرار بقاء القوّات الأميركية في سورية، في حين يرى الآخر أن ترامب ينوي سحب تلك القوّات من سورية، ولكن فريقه للسياسة الخارجية قد يُبدّل رأيه، ويُقنعه بأهمّية استمرار تواجدها في سورية.
وبالنسبة للتطابق الكلي بين رأييهما، فكان حول نقاط عدّة، من بين أبرزها نقطتان. الأولى هي أن «الصداقة مع إسرائيل» شرط أساسي لرفع العقوبات الأميركية عن «هيئة تحرير الشام». والنقطة الثانية هي أن احتمالات عودة «داعش» متنامية خلال المرحلة الحالية الانتقالية في سورية.
من الضروري أن نُدرك نحن الكويتيون أبعاد شبكة المصالح والتدخلات الخارجية في الشأن السوري، قبل الثورة وبعدها، لنتعاطى بواقعية أوسع مع القضية السورية، ولنتمسّك أكثر بأمننا الوطني الشامل...
اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.
abdnakhi@yahoo.com