الأمم المتحدة انتقدت «انتهاك» اتفاق فض الاشتباك
في القنيطرة السورية... قوات إسرائيلية متوغلة وجهاً لوجه مع سكان متروكين لمصيرهم
القنيطرة ( جنوب سورية) - أ ف ب - في إحدى قرى محافظة القنيطرة، يقف سكان وجهاً لوجه مع قوات إسرائيلية استغلت التغيير السياسي والميداني المتسارع في دمشق لتنفيذ عمليات توغل في المنطقة العازلة ومواقع مجاورة، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة.
في شارع رئيسي في قرية جباتا الخشب، يتجول جنود إسرائيليون بكامل عتادهم على تماس مع السكان المحليين الذين يكتفون بالمراقبة من بعد، في مشهد لم يكن مألوفاً حتى الأمس القريب. وتتمركز دبابة على الأقل عند أطرافها، وفق ما شاهد مراسلو «فرانس برس».
وتقع القرية في القسم الشرقي من هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967 ثم ضمتها العام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وهي من عداد القرى الواقعة في المنطقة العازلة حيث ينتشر عناصر قوة الأمم المتحدة المخولون مراقبة اتفاق فض الاشتباك.
وتتكرّر المشاهد نفسها في مدينة البعث وسط القنيطرة التي توغلت فيها قوات وعربات إسرائيلية، في خطوات تزامنت مع شنّ اسرائيل سلسلة غارات غير مسبوقة على عشرات المواقع العسكرية ومخازن الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش السوري، عقب إطاحة فصائل معارضة نظام بشار الأسد وهروبه من البلاد.
ويقول الدكتور عرسان عرسان، المقيم في مدينة البعث وسط القنيطرة إن «الناس ممتعضة جداً من التوغل الإسرائيلي في المنطقة (...) نحن مع السلام لكن شرط أن تنسحب إسرائيل إلى خط وقف إطلاق النار»، في إشارة الى خط فض الاشتباك الذي يفصل الأجزاء التي تحتلها إسرائيل من مرتفعات الجولان والأراضي السورية.
ومع توغل القوات الإسرائيلية، تقطعت أوصال مدينة البعث بأعمدة حديد كبيرة وبقايا أغصان أشجار وسواتر ترابية خلفتها الجرافات الإسرائيلية، وفق ما روى سكان لـ «فرانس برس».
ويتابع عرسان «أنظر إلى الشوارع التي خربتها الجرافات الإسرائيلية واللافتات التي حطمتها، إنه عمل غير إنساني».
وسيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة العازلة ومواقع مجاورة في جبل الشيخ وريف دمشق.
رفع العلم الإسرائيلي
وعقد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الماضي، اجتماعاً أمنياً على جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه زار مع نتنياهو «للمرة الأولى قمة جبل الشيخ» منذ انتشار القوات الإسرائيلية فيها عقب إطاحة الأسد.
وخلا الطريق الرابط بين دمشق ومحافظة القنيطرة من أي وجود عسكري لفصائل معارضة، وبدت كل الحواجز والمقرات الأمنية السابقة خالية من عناصرها.
وكانت القوات الحكومية أخلت تباعاً كل مواقعها في جنوب سورية، عشية تقدم الفصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» الى دمشق وإسقاط الأسد.
وانكفأ سكان بلدات القنيطرة داخل منازلهم واكتفى بعضهم بالوقوف على الأبواب مراقبين انتشار القوات الإسرائيلية بين أحيائهم وفي شوارعهم.
ورفع جنود العلم الإسرائيلي على عدد من التلال القريبة المشرفة على القنيطرة.
وعلى مشارف قرية الحميدية المجاورة لمدينة البعث، يقف ياسين العلي وإلى جانبه أطفال يلعبون على دراجة هوائية.
ويقول ابن مدينة البعث «نحن على بعد أقل من 400 متر من الدبابات الإسرائيلية (...) والأطفال هنا خائفون من التوغل الإسرائيلي».
ونزح سكان جراء تقدم القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات الحدودية مع إسرائيل.
ويتابع العلي «نناشد حكومة الإنقاذ والمجتمع الدولي أن يتحملا مسؤوليتهما تجاه هذا التوغل الذي حدث خلال أسبوع».
«انتهاك» لفض الاشتباك
واعتبرت الأمم المتحدة أن سيطرة الجيش الاسرائيلي على المنطقة العازلة يشكل «انتهاكاً» لاتفاق فض الاشتباك العائد الى العام 1974.
وأعرب أمينها العام أنطونيو غوتيريش الأسبوع الماضي، عن «قلقه البالغ» حيال «الانتهاكات الكبيرة» لسيادة سورية ووحدة أراضيها.
ومنذ بدء النزاع في سورية عام 2011، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية على مواقع عسكرية للجيش السوري وأخرى لمجموعات موالية لطهران بينها «حزب الله» الذي كان يحتفظ بمقرات ومخازن لا سيما في المنطقة الحدودية مع لبنان.
وطالب القائد العسكري لهيئة تحرير الشام مرهف أبوقصرة في مقابلة مع «فرانس برس»، الثلاثاء، المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الغارات والتوغل الاسرائيلي «على التراب السوري»، مؤكداً في الوقت ذاته أن بلاده لن تكون منطلقاً لأي «عداء» تجاه أي من دول الإقليم.
وكان قائد الإدارة السياسية الجديدة في دمشق أحمد الشرع ندّد بتوغل القوات الإسرائيلية في الجنوب. وقال إن «الإسرائيليين تجاوزوا خطوط الاشتباك في سورية بشكل واضح ما يهدد بتصعيد غير مبرر في المنطقة».
وأكد في الوقت ذاته أن الوضع الراهن «لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة».
في مدينة البعث، يبدي العلي تخوفه من «قضم» اسرائيل للمنطقة بكاملها.
ويقول «ما يجري يستحق وقفة من السوريين الذين يحتفلون في ساحة الأمويين... بأن يأتوا إلى هنا ويقفون بصدور عارية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي».