برنارد لويس... الرجل الذي أراد تفتيت العرب على مهل

تصغير
تكبير

نحن أمام رجل لم يكن يهوى الباستا الإيطالية أو الشاي الإنكليزي بقدر ما عشق فكرة تفكيكنا إلى دويلات صغيرة، تُشعل الحروب بين بعضها على قطعة أرض هنا، أو بئر نفط هناك.

برنارد لويس، المؤرخ الذي يُقال إنه كان يجلس خلف مكتبه ويرسم خرائط جديدة للعرب، ليس من باب الإبداع الجغرافي، بل من باب «كيف نحول العالم العربي إلى فسيفساء».

لويس هذا، لم يكن مجرد مستشرق يجيد قراءة التاريخ أو ترجمة النقوش، بل كان ماكينة تفكير غربية تتحرك على إيقاع «كيف نُبقي العرب في حالة سبات فكري وسياسي؟». ومع أن الرجل مات قبل سنوات، إلا أن أفكاره لاتزال تُطبخ على نار هادئة في عواصم القرار العالمي، لتقديمها إلينا كطبق مسموم من الفوضى.

لويس، لم يكن عبقرياً ولا مُبتكراً. كان يقرأ التاريخ جيداً، ورأى أن الطريقة الأسهل للسيطرة على العالم العربي هي إعادة تفعيل نظرية «فرّق تسد»، لكن على طريقة القرن العشرين. كيف؟ ببساطة، بتحويل الدول العربية من كيانات قوية إلى شظايا صغيرة متناثرة.

1. إشعال الفتن:

الرجل فهم أننا لدينا نسيج اجتماعي متعدد الأطياف، ولكنه رأى أن هذا التنوع يمكن استغلاله لإشعال صراعات لا تنتهي.

2. تقسيم الكبار إلى صغار:

كان يرى أن الدول العربية الكبرى لا يمكن أن تبقى كيانات موحدة وقوية. لذلك، كان يعمل على فكرة تفتيتها إلى دويلات صغيرة، حيث يتحوّل كل إقليم أو قبيلة إلى دولة مستقلة، لا تستطيع حماية نفسها أو حتى التفاوض على قوت يومها.

3. استنزاف الثروات:

الخليج، بما يملكه من نفط وغاز، كان في عين برنارد لويس كعكة كبيرة يجب تقسيمها. وكان يرى أن الطريقة المُثلى للسيطرة على هذه الثروات هي خلق حالة دائمة من الفوضى، بحيث تتحوّل الدول الخليجية إلى مجرد مستودعات نفطية.

4. تشويه الهوية الخليجية:

الرجل كان يُدرك أن قوة الخليج لا تأتي فقط من موارده، بل من هويته المشتركة، ومن قيمه وعاداته التي تربط أبناءه. لذلك، كان يعمل على تفكيك هذه الهوية.

لماذا الخليج؟

برنارد لويس فهم أهمية الخليج بالنسبة للعالم، هذه المنطقة ليست مجرد رقعة جغرافية تعيش على النفط، بل هي قلب العالم النابض. تتحكم في الاقتصاد العالمي، وتملك موقعاً إستراتيجياً يجعلها نقطة التقاء ثلاث قارات.

الرجل أدرك أنه إذا أراد الغرب الحفاظ على هيمنته، فلا بد من إضعاف العرب والخليج تحديداً، ليس فقط اقتصادياً، بل سياسياً وثقافياً واجتماعياً.

كيف نواجه هذا الخطر؟

الحقيقة، أن مواجهة أفكار برنارد لويس، لا تتطلب حرباً بالمدافع والطائرات، بل حرباً من نوع آخر:

1. الوحدة الخليجية:

ما يخشاه الغرب هو أن تُصبح دول الخليج قوة موحدة قادرة على حماية مصالحها. كلما اقتربت هذه الدول من التعاون الحقيقي، كلما أصبح من الصعب على أي طرف خارجي تنفيذ مخططاته.

2. تعزيز الهوية الوطنية:

برنارد لويس كان يراهن على تآكل الهوية الخليجية، لكننا نستطيع أن نثبت خطأه بتعزيز هذه الهوية، وغرس قيم الوحدة والانتماء في الأجيال الجديدة.

3. التنمية المستدامة:

الخليج يجب أن يتجاوز الاعتماد على النفط كركيزة اقتصادية. الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا والابتكار هو الطريق لبناء قوة داخلية قادرة على التصدي لأي تهديد خارجي.

4. الوعي الإعلامي:

الإعلام هو سلاح برنارد لويس المفضل. لذلك، لا بد من إعلام خليجي واعٍ يُدافع عن مصالح المنطقة، ويكشف كل المحاولات الرامية إلى زعزعة استقرارها.

برنارد لويس، قد يكون ذهب إلى قبره، لكن أفكاره لم تُدفن معه. هناك من لايزال يقرأ كُتبه، وينفذ مخططاته. بالنسبة لهم، الخليج هو الجائزة الكبرى، وإن استطاعوا تفتيته، فسيكون ذلك نهاية أي أمل للعرب في استعادة مكانتهم.

المطلوب الآن هو أن نكون واعين لهذا المخطط، وألا نسمح لهم بتحويل الخليج إلى رقعة شطرنج، نُحرك فيها قطعنا لصالحهم. فإن خسرنا هذا الوعي، فقد نكون نحن مَنْ يُنفّذ مخطط لويس بأيدينا، دون أن ندري.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي