معالجة اضطراب المشهد السياسي بمبضع الجرّاح الماهر
الذكرى السنوية الأولى لتولي صاحب السمو مقاليد الحكم ... فصل الخطاب
- الحكمة تقتضي منا إدراك عِظم المسؤولية والتمسّك بالوحدة الوطنية
- واجهنا من المصاعب والعراقيل ما لا يُمكن تصوّره أو تحمّله
- التمادي وصل إلى حدود لا يُمكن القبول بها أو السكوت عنها
شكّل الخطابان اللذان ألقاهما صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد في أدائه للقسم يوم 20 ديسمبر 2023 وخطابه التاريخي في 10 مايو 2024 الذي أعلن فيه حل مجلس الأمة، خريطة طريق أضاءت للكويت دربها نحو التقدم السياسي والاقتصادي.
ففي خطاب القسم الذي كان مليئاً بالتوجيهات والتنبيهات، قال سموه «حذّرنا في مناسبات عديدة بأن الأزمات والتحديات والأخطار محيطة بنا، وأن الحكمة تقتضي منا إدراك عِظم وحجم المسؤولية والتمسك بالوحدة الوطنية التي هي ضمانة البقاء بعد الله، مما يتعيّن علينا اليوم ونحن نمر بمرحلة تاريخية دقيقة ضرورة مراجعة واقعنا الحالي من كل جوانبه خصوصاً الجوانب الأمنية والاقتصادية والمعيشية».
وأمر سمو الأمير في خطابه التاريخي بالعاشر من مايو 2024، بحل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد على 4 سنوات، مؤكداً أن «اضطراب المشهد السياسي في البلاد وصل إلى مرحلة لا يُمكن السكوت عنها».
وبمبضع الجراح الماهر، شخّص سموه المشهد المحلي، قائلاً «مرّت الكويت خلال الفترة الماضية بأوقات صعبة كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة مما خلق واقعاً سلبياً وجب علينا كمؤتمنين على هذه الدولة وشعبها الوفي، أن نقدم النصح تلو النصح والإرشاد تلو الإرشاد لنخرج من هذه الظروف بأقل الخسائر الممكنة، ولكن مع الأسف واجهنا من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تصوره أو تحمله، وسعى البعض جاهداً إلى غلق كل منفذ حاولنا الولوج منه لتجاوز واقعنا المرير، مما لا يترك لنا مجالاً للتردد أو التمهل لاتخاذ القرار الصعب إنقاذاً لهذا البلد وتأميناً لمصالحه العليا والمحافظة على مقدرات الشعب الوفي الذي يستحق كل تقدير واحترام».
وأضاف سموه «بل وصل التمادي إلى حدود لا يُمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تُشكله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديمقراطية التي ارتضيناها جميعاً طريقاً هادياً لتحقيق المصلحة العامة، فنجد البعض مع الأسف الشديد يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير ويتدخل في اختياره لولي عهده، متناسياً أن هذا حق دستوري صريح وواضح وجلي للأمير. ومتى ما زكّى الأمير أحدهم لولاية العهد يأتي دور السلطات الأخرى كما رسم لها الدستور اختصاصها وليس قبل ذلك بأي حال من الأحوال».
وخاطب سموه المواطنين قائلاً: «يا أهل الكويت الكرام، إن الجو غير السليم الذي عاشته الكويت في السنوات السابقة شجع على انتشار الفساد ليصل إلى أغلب مرافق الدولة بل ووصل إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية مع الأسف بل ونال حتى من مرفق العدالة الذي هو ملاذ الناس لصون حقوقهم وحرياتهم، ليبقى دائماً مشعلاً للنور وحامياً للحقوق وراعياً للحريات، ونحن على يقين تام أن القضاء قادر بإذن الله تعالى على تطهير نفسه على يد رجاله المخلصين وتوفيق من الله تعالى لهم في مهمتهم النبيلة هذه».
رسائل سامية
حمل خطاب العاشر من مايو الكثير من الرسائل السامية، من بينها:
تصرفات تُخالف الدستور
«لقد لمسنا خلال الفترات السابقة بل وحتى قبل أيام قليلة سلوكاً وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة».
مصادر الثروة
«مصادر الثروة الوطنية لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يستنزف مواردها ويعطل مصالح الأمة عن طريق اقتراحات تهدر المال العام ولا تُحقق الصالح العام وإنما يجب أن تعمل هذه الاقتراحات في خدمة الاقتصاد الوطني وفي إطار خطة التنمية».
لا أحد فوق القانون
«لا أحد فوق القانون فمَنْ نال من المال العام دون وجه حق سوف ينال عقابه أياً كان موقعه أو صفته. لن أسمح على الإطلاق أن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة لأن مصالح أهل الكويت التي هي فوق الجميع أمانة في أعناقنا علينا واجب صونها وحمايتها. وكما حرص حكامنا السابقون على تثبيت دعائمها وسلّموا رايتها لنا فسيكون همنا وواجبنا كذلك أن نسلم راية الديمقراطية إلى مَنْ يأتي من بعدنا خفاقة عالية في سمائنا».
حماية الهوية الوطنية
تطرّق سموه في خطابه إلى حماية الهوية الوطنية، قائلاً «من دخل البلاد على حين غفلة وتدثر في عباءة جنسيتها بغير حق ومَنْ انتحل نسباً غير نسبه أو مَنْ يحمل ازدواجاً في الجنسية أو وسوست له نفس أن يسلك طريق التزوير للحصول عليها واستفاد من خيرات البلاد دون حق وحرم مَنْ يستحقها من أهل الكويت. فالدولة تقوم على دعامتين أساسيتين الأمن والقضاء.. فكل هذه الظواهر السلبية لن تبقى وسوف يُعاد النظر فيها وفقاً لخطوات مدروسة متأنية يتولاها رجال ثقات من أهل الكويت».
الأمن ورجاله
- «لابد أن أوضح بشكل لا لبس فيه أو غموض أن الأمن مسألة في غاية الأهمية وسوف نولي جُل اهتمامنا لتحقيق هذه الغاية فنعيد النظر في قوانين الأمن الاجتماعي أولا».
- «تحية عطرة لرجال الأمن الذين يسهرون على حماية مصالح الشعب ويحملون على أكتافهم صون الأمن في بلدنا ولكي ينام المواطن قرير العين وهو يعلم أن هناك مَنْ يسهر على أمنه وحريته. ودعوني أقولها لكم بكل صراحة إن احترام رجال الأمن هو من احترام نظام الحكم ولن أسمح على الإطلاق المساس بهيبتهم واحترامهم أثناء أدائهم لواجباتهم الرسمية».
الأهل المؤسسون
تحدث صاحب السمو عن جهود أهل الكويت المؤسسين بالقول: «لقد حرص أهل الكويت المؤسسون للديمقراطية على إيجاد دستور يخدم مصالح الأمة ويرعى حقوق وحريات الشعب، ولم نجد منهم في مناقشاتهم في المجلس التأسيسي أو في المجالس التي تلت ذلك، إلّا قمة الاحترام في الخطاب والرقي في ممارسات الوسائل الدستورية المتاحة لهم في مكانها السليم أو زمانها الصحيح، ولكننا نرصد الآن عكس كل ذلك فهنالك إساءة بالغة في استخدام هذه الوسائل وفي أسلوب الخطاب الذي لا يتفق مع عادات وتقاليد أهل الكويت الطيبين الأصليين، وغدت قاعة عبدالله السالم بدلاً من أن تكون مكاناً لممارسة ديمقراطية حقيقية سليمة، أصبحت مسرحاً لكل ما هو غير مألوف وغير مستحب أو مقبول من الألفاظ والعبارات».
الدستور... يستجيب لمتطلبات الحياة
تطرّق سمو الأمير إلى دور الدستور قائلاً: «الدستور بوصفه وثيقة تقدمية تستجيب لمتطلبات الحياة ومتغيراتها يجد متنفسه بانسجامه مع الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية السائدة في المجتمع، لابد له من التوافق مع الظروف المستجدة في قدرته على استيعابها ليكون منفذاً له في الاستمرار كأداة تحكم واقع المجتمع وتكويناته، فإذا ما أغلقت كل المنافذ في وجهه، فلا يمكن له القيام بدوره المنشود كما يرتضيه الشعب وقيادته ويصبح من الواجب التدخل وقبل فوات الآوان لتصحيح المسيرة ومعالجة الاعوجاج وسد النواقص التي كشف عنها التطبيق العملي لنصوصه طوال 62 عاما الماضية دون تعديل، لاسيما وأن المسار التاريخي الذي استمد منه الدستور الكويتي مواده وأحكامه إما أن ألغيت تماما أو شهدت تعديلات عديدة على نصوصها لتستجيب للمتغيرات التي حدثت في تلك المجتمعات، علماً بأن الدستور الكويتي سمح بتعديله وإعادة النظر في أحكامه بعد مرور 5 سنوات من العمل به مما يدل على حصافة أعضاء المجلس التأسيسي وبُعد نظرهم... فكيف يجمد تعديل الدستور وهو يسمح بإعادة النظر بأحكامه؟».