جاءت البشارات النبوية للمسلمين بفتح القسطنطينية وروما وفتح بلاد فارس وإنفاق كنوزهما في سبيل الله، إلى أن جاء عام 13 هجرية الموافق 634 ميلادية تم فتح دمشق أول مدينة رئيسية من الإمبراطورية البيزنطية من ضمن الفتح الإسلامي للشام على ما ذكره الحافظ ابن كثير، في (البداية والنهاية) بقيادة أبوعبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان، رضي الله عن الجميع.
ساروا إلى دمشق بأمر من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ونزلوا على أبواب حصن دمشق وحاصروها حصاراً شديداً قيل امتد إلى سنة وأهل دمشق ممتنعون منهم غاية الامتناع... إلى أن جاء فصل الشتاء واشتد البرد القارس وعسر الحال وتعذّر القتال فقدّر الله الكبير المتعال ذو العزة والجلال أن يولد لبطريق دمشق مولود في تلك الليالي، فصنع لقادة الجيش طعاماً وسقاهم شراباً وباتوا سكارى عنده في ليلته بعدما سهروا طوال الليل وتركوا أماكنهم.
وفطن لذلك سيف الله المسلول (خالد بن الوليد)، فإنه كان لا ينام ولا يترك أحداً ينام بل يرصدهم ليلاً ونهاراً وله عيون وقُصّاد يرفعون إليه أحوال المقاتلة صباحاً ومساءً، فلما رأى خَمْدَة تلك الليلة وأنه لا يقاتل على السور أحد؟ كان قد أعد سلالم من حبال فجاء هو وأصحابه الصناديد الأبطال... وقد أحضر جيشه عند الباب، وقال لهم إذا سمعتم تكبيرنا فوق السور فارقوا إلينا ثم نهد هو أصحابه فقطعوا الخندق سباحة والماء يقرب إلى أعناقهم حتى إذا صعدوا على السور انحدر خالد إلى الحصن وقطع وأصحابه أغاليق الباب بالسيوف، وفتحوا باب القلعة فدخل الجيش الخالدي من الباب الشرقي وأهل البلاد لا يدرون ما الخبر! وفتحوا أبواب الحصن فدخلها المسلمون مكبرين حتى التقى الأمراءُ في وسط المدينة عند كنيسة المقسلاط بالقرب من درب الريحان المعروف اليوم... ثم صالحوا أهلها على بقاء ملكهم لهم وأموالهم وصلبانهم وكنائسهم وتجلّت مظاهر العدل الإسلامي في هذا الفتح العظيم وبرزت قيم التسامح والتعايش مع حفظ الحقوق للجميع ولم يجبروا أحداً على الدخول في الإسلام.
أما الجامع الأموي فقد تم بناؤه سنة 96 هجرية، بعهد الوليد بن عبدالملك بن مروان، بعدما استبدلت دمشق الشام شعار التوحيد بشعارات الوثنية والجاهلية التي كانت تعبد الكواكب، وعلى ما ذكره المؤرخون، ومنهم الحافظ ابن عساكر، حيث اقروا نصارى الشام على كنائسهم وصلبانهم وعددها 14 كنيسة تقريباً ما زالت موجودة وشاهدة على التسامح، وكان هذا الجامع الأموي الذي لا يزال شاهداً لم يكن على وجه الأرض بناء أحسن منه ولا أبهى ولا أجلّ... وما زال سلمان بن عبدالملك، يعمل على تكملة الجامع الأموي بعد موت أخيه، فلما ولي عمر بن عبد العزيز، عزم على أن يجرّد ما فيه من الذهب ويقلع السلاسل والرخام والفسيفساء ويرد ذلك كله إلى بيت مال المسلمين وكان ذلك العمل الجليل... وهذا هو الصحيح الموافق للسنة النبوية التي نهت عن زخرفة المساجد، فالمساجد اليوم أصبحت متاحف للسياحة، والقرآن لم ينزله الله تعالى من أجل أن يكون زينة للجدران، وهذه من البدع المحدثة اليوم ولا شك أن هذا عبث بكتاب الله عز وجل وعمارة المساجد تكون بإقامة الصلاة وسُنة الاعتكاف والتعليم وذِكر الله تعالى.