هرب بشار الأسد، من حُكم سورية من غير رجعة، وقرّر أن يختار روسيا ملجأً آمناً له ولعائلته، ولكنه ترك إرثاً من الحقد لا حد له، فحكم الأسدين حافظ وبشار هو امتداد لحكم سلطوي متمرد لم يترك الشعب السوري بحاله، بل عانى الشعب من ويلات العذاب أكثر من نصف قرن من التمسك بالسلطة والحكم والغطرسة، ومليئة بالتظاهرات الشعبية السلمية ضد النظام القائم ناهيك عن عمليات القمع والاحتجاجات التي سرعان ما تحوّلت إلى نزاعات مسلحة، ومع كثرة التضييق ظهر بما يُسمى بالمعارضة المسلحة وظهور مجموعات متشددة بين حين وآخر، فكانت مهمة نظام بشار الأسد، في سورية ليس فقط تتعلق بالسلطة الفردية والديكتاتورية ولكن كيفية سحق المعارضة والمتمردين على مدى سنوات من حكمه البعثي وحتى يوم استسلامه وهروبه التاريخي.
وبعد أكثر من خمسة عقود تاريخية من الحكم البعثي المجرم احتفلت سورية بقدوم مرحلة حياة جديدة من التحرير، إلا أن هذا الاحتفال الشعبي لم يكتمل بأركانه مع فقدان وقتل الآلاف من شعبه أبناء هذا الوطن الجريح، فمازالت هناك أسر سورية تبحث عن أفراد عائلتها المفقودين ولا تعلم مكانهم، لا تعلم إن كانوا أحياءً أو أمواتاً وسط العديد من المعتقلات العلنية والسرية.
ولعل ما جرى في سجن صيديانا من قصص مأسوية مؤلمة هي بحد ذاتها انتهاك صارخ بحقوق الإنسان وكرامته، فالمعلومات التي كشفها الثوار السوريون والمقاتلون المعارضون تدل على أن هناك انتهاكات صارخة عاشها المعتقلون في المعتقلات السرية ويتقدمهم سجن صيديانا الذي عانى منه جميع المعتقلين في سراديب وزنازين سرية لا يعلمها أحد سوى رجال الحزب المحسوبين على بشار الأسد، وبالتالي فإن عمليات البحث كانت معقدة في السجن وانتهت بوجود سراديب وزنازين لم تكتشف بعد ويبدو أن من الصعب العثور عليها نظراً لوجودها تحت عمق الأرض لحفظ الأسرار بداخلها حيث يقدّر عدد المعتقلين بالآلاف، وهؤلاء البشر قد استخدمت معهم أنواع من أساليب التعذيب الوحشي، ومن أبرزها: سلخ الجلد وضرب بالرأس بآلات حادة حتى تسيل الدماء، وكذلك ممارسة الاغتصاب بأنواعه لإجبارهم على اعترافات مزيفة، ثم تقليد الحيوانات والطيور لإهانة البشر وإهدار كراماتهم.
ففي سجون الأسد توجد أدوات غريبة كمكبس الإعدام الحديدي وصعق الكهرباء إلى حد الموت البطيء، وكذلك الحال نفسه في سجن المزة العسكري الواقع في دمشق، ففي هذا السجن كان الحراس المشرفون عليه يعلقون السجناء وهم عراة ويتم تعذيبهم من خلال سكب الماء البارد في فصل الشتاء، فكم من سجين قد مات من المرض والتعذيب في زنزانته، وكم من مريض قد مات بسبب قلة الغذاء والدواء، فضلاً عن العوامل النفسية التي تهدم الذات، فجميعها كانت ناتجة عن غطرسة وقمع النظام الحاكم الجائر ووحشية أساليبه ضد شعبه، لقد كان لضباط النظام أساليب وحشية مع المعتقلين في طريقة التعذيب، وبالأخص مع مَنْ يُخالفهم الأوامر سواء كان متظاهراً أو مدافعاً عن حقوق الإنسان أو منشقاً سياسياً عن نظامه، فقد كانوا ينالون الاعتقال جميعاً وبعدها لا يعلمون عن مصيرهم شيئاً، فإما يكون تحت التعذيب وإما يختفي من الوجود تحت فصول من التعذيب حتى يلقى حتفه ومن بين هذه الفصول: صعق الأعضاء التناسلية بالكهرباء أو تعليقها بأوزان ثقيلة، كما يتم استخدام الحرق بالزيت أو المبيدات القابلة للاشتعال، وكذلك سحق الرؤوس بالآلات الحادة واستخدام الإبر السامة في الرأس والجسد، ناهيك عن سرقة أعضاء المساجين وهم مخدرون، وحرمان المعتقلين من دخول الحمام حتى يشعر بالألم والعذاب، ومن يعترض على ذلك يُحبس في زنزانة انفرادية في الطابق السفلي ويُرمى بلا أكل وشراب حتى يموت جوعاً وتنشف عظامه.
لقد كانت عصابات الأسد تتفنن في ممارسة أبشع جرائم التعذيب والاغتصاب والقتل بين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ بلا تمييز، لذلك، جاء التقرير الصادر من منظمة العفو الدولية ليوضح حقيقة الإجرام في الآلاف من المعتقلين الذين قتلوا في عمليات شنق جماعية في «صيدنايا» بعد عملية التعذيب القسري والعنف الجسدي والجنسي حيث كان المعتقلون يُقتلون إسبوعياً من خلال الإعدام المبرمج ما بين سبتمبر 2011 ولغاية ديسمبر 2015 في محاكمات سرية أو من دون محاكمة داخل السجون وليس بمكان آخر.
ومع استمرار التعذيب والتنكيل والعنف والاغتصاب الجسدي بين السجناء كافة جعل معظمهم مرضى غير قادرين على التمييز ما بين أصوات الأحزمة والكابلات الكهربائية وأدوات التعذيب الاخرى، وبالتالي عندما خرج السجناء من المعتقلات الأسدية إلى الحياة الحرة أصابتهم حالة من الذهول والخوف والسعادة معاً، فلم يصدق هؤلاء ما يجري أمامهم من انتصارات شعبية واسعة طالت جميع المدن السورية فرحين عما يحدث أمامهم وكأنه حلم حتى ظلوا يهتفون بعبارات النصر فرحاً بعد تحررهم من ظلم السجون الذي كاد ينهي حياتهم، عائدين إلى أهاليهم، والبعض منهم بدأ يركض على غير هدى في الشوارع لا يعلم أن نظام بشار الأسد، قد سقط بيد أنصار المعارضة.
نعم إنها مأساة إنسانية أمام حاكم بعثي (الأب والابن)، حكم ما يُقارب أكثر من خمسة عقود من الحكم الظالم المستبد، فلا يعرف معنى الحرية لشعبه ولا يعرف معنى الديمقراطية، فكان مقابل هذا الثمن «الانتقام» بحرق قبر حافظ الأسد في مسقط رأسه باللاذقية، وكذلك جر رأس تمثال لحافظ الأسد في حماة وسط سورية بيد شعبه انتقاماً منه ومن حكمه الجائر، ولكن يبقى الشعب السوري يعاني من ألم فراق الملايين من أبنائه المختفين عن الأنظار بعد مرور سنوات من حكم «الأسدين» الظالمين...
حقا... إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد للحق أن ينتصر.
ولكل حادث حديث،،،
alifairouz1961@outlook.com