«القرد الفيليبيني» والوحش الإسرائيلي


حسنا فعل وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح حين قال في طهران إن الكويت تعرف من هو عدوها ومن هو صديقها، فالتصريح هنا يأخذ بعده السيادي الحقيقي لصدوره بعد أيام قليلة فقط من «الزيارة التاريخية» للرئيس الأميركي إلى الكويت والمنطقة حيث كان «الخطر الإيراني» هاجساً في كل لقاءاته.
آن الأوان كي يسمع الحليف الأميركي ومن موقع الصداقة أن العدو ليس من يريده هو عدواً بل من يقوم بأعمال عدائية وأن الصديق ليس من يريده هو صديقاً بل من يثبت صداقته ونياته السلمية، كما آن الأوان لأن يقرأ الحليف الأميركي في كتاب آخر غير كتاب المحافظين الجدد عن منطقة يعرف أهلها بالتأكيد مشاكلها أكثر منه. منطقة آخر ما تحتاج إليه هو ان تعزف الأوركسترا المعروفة سيمفونية التصعيد، فالتجييش فالحشود فالحروب فالدمار... ثم يعتذر المايسترو عن خطأ هنا وخطيئة هناك.
لا نقول ذلك من باب دفن رؤوسنا في الرمال، فنحن نعرف تماماً خطورة الوضع إذا انتقلت النزاعات إلى الحقول النووية. نحن في قلب المحرقة وقد نكون حطبها، لكن من حقنا أن نعرف أيضاً وفي ضوء التجارب التي خبرناها الأهداف الحقيقية للحملة الأميركية.
فبعد سقوط بغداد، والتحذيرات الأميركية لا وجهة لها إلا مفاعل بوشهر (الأقرب إلى الكويت منه إلى طهران) في حملة غير مسبوقة استطاعت استقطاب غالبية الدول الأوروبية وفرضت عقوبات متدرجة... ثم يكشف فجأة عن تقرير للاستخبارات الأميركية مفاده أن البرنامج النووي الإيراني سلمي. ورغم الفارق الكبير في طبيعة النظامين الإيراني والعراقي إلا اننا لا نملك سوى العودة إلى الحملة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في مجلس الأمن على مدى أسابيع واستخدم فيها كل التقنيات السمعية والبصرية لعرض حوارات بين من ادعى أنهم ضباط عراقيون للدلالة على وجود أسلحة دمار شامل في العراق، لتنتهي القصة لاحقاً وبعد الحرب وتداعياتها باعتذاره وأسفه لأنه أعطي معلومات خطأ من الاستخبارات الأميركية.
وإذا كانت الاستخبارات الأميركية أصيبت بـ «صحوة ضمير» (أو دخلت بتقريرها على خط الانتخابات الرئاسية) قبل أي عمل عسكري في المنطقة ضد إيران هذه المرة إلا أن الإرادة السياسية الأميركية ما زالت مصرة على الدفع بورقة إيران إلى النهاية، فقبل أيام أيضاً أعلنت البحرية الأميركية أن مواجهة كادت تحصل بين بوارجها في مضيق هرمز وبين زوارق إيرانية هددت بتفجيرها. قامت القيامة وعرضت صور وأعيد بث الكلام على موجات اللاسلكي... ليتحدث خبراء عسكريون أميركيون لاحقاً عن احتمال دخول «قراصنة اللاسلكي» المعروفين باسم «القرد الفيليبيني» على خط الاتصالات وتهديد البوارج.
في ضوء ذلك، هل المطلوب أن تنتفض المنطقة كلما صدر تصريح من البيت الأبيض أو البنتاغون؟ هل المطلوب أن نزايد على «الحليف» في ضرورة التعبئة والحشد لخطر سرعان ما ينفي الحليف نفسه وجوده أو يعتذر عن أخطائه بعد خراب البصرة؟ ثم ما قيمة اعتذار بعد حرب؟ ومن يدفع الثمن راهناً ولاحقاً؟
مرة أخرى، أهل المنطقة أدرى بشعابها، وإذا كاد «القرد الفيليبيني» يتسبب في حرب لن تنتج سوى الدمار الشامل، فإن الوحش الإسرائيلي وخلال زيارة الرئيس جورج بوش «التاريخية» إلى المنطقة ارتكب مجزرة جديدة في غزة لم تحظ بالإدانة والتنديد المطلوبين سياسياً وإنسانياً وأخلاقياً من الإدارة الأميركية. الدمار الشامل في المنطقة مهما كانت أطرافه ومسمياته وأدواته ولد من رحم واحد اسمه «جرائم إسرائيل» وتغذى من الصمت الأميركي.
هل نحتاج مرة أخرى إلى دروس جديدة في معرفة العدو والصديق؟
جاسم بودي