العراق السوري أم العراق الخليجي؟!

تصغير
تكبير

جهات دولية وإقليمية عديدة تحاول نقل التجربة المريرة التي مرّت بها سورية إلى العراق. هذه الجهات التي لعبت في الساحة السورية طول العقد السابق لديها من التيارات والأحزاب المسلحة والمدنية ممن يتلقى الأوامر منها ويعمل بموجب أجندتها. ومما لا شك فيه أن هذه الجهات تعمل لأن تنقل التجربة المريرة إلى المربع العراقي الساخن. فالعراق ومنذ الإطاحة بنظام الطاغية لم يتمتع بالاستقرار إلا في سنواته الأخيرة. ويتحدث البعض بأن هذا الاستقرار الذي يعيشه العراق في السنوات الأخيرة هو استقرار «ساخن»، أي أنه يمكن أن ينفجر في أي لحظة إذا ما قررت الجهات الخارجية تحريك مفاعيلها السياسية في ذلك الاتجاه.

بعد «طوفان الأقصى»، وموقف الحكومة العراقية من ذلك الصراع حيث لم تنحنِ للضغوط الغربية في التطبيع مع الكيان، بل وفتحت المجال بشكل غير مباشر لقوات الحشد الشعبي للمشاركة في المواجهة، وبعد سقوط نظام الأسد في سورية أصبحت الجبهة العراقية هي المستهدفة بحيث ينتقل الصراع من الحدود المتاخمة للكيان الصهيوني إلى الحدود المحاذية لإيران!

الجولات المكوكية التي يقوم بها سياسيون كبار إلى العاصمة العراقية واجتماعهم مع القيادة العراقية تثير الكثير من الشكوك بأن هنالك شيئاً من الضغوط والمساومات في إطار خيارين لمعادلة جديدة قوامها، إما انخراط الحكومة العراقية في عملية التطبيع وتقليم أظفار القوى المسلحة خصوصاً المتعاونة مع إيران أو مواجهة سيناريو سورية!

إذا صحت هذه التحليلات، فلا شك من أن هذين الخيارين لن يقبلا من لدن النخب والتيارات السياسيّة العراقية، وهو الأمر الذي يقود إلى زيادة حرارة معادلة الاستقرار الساخن التي يشهدها العراق حالياً لتثور بشكل بركان يلقى بحممه على من حوله. والتخوف الكبير جراء ذلك بأن يشهد العراق مسرحاً مماثلاً للمشهد السوري حيث سينعكس على المنطقة الخليجية برمتها وهو الأمر الذي سيستدعي تفاقم أزمة كبيرة تفوق محيطها الإقليمي إلى العالمي بشكل أكبر مما هو عليه في الساحة السورية.

أعتقد بأن الساسة في العراق، ومن خلال الخبرة التي مروا بها خلال العشرين سنة الماضية يعرفون جيداً ماذا تعني المواجهات بين أبنائه وأطيافه. لذلك، فلعل صناعة خيار ثالث بحيث يكون عراقياً هو الأصوب في هذه الحالة. والخيار العراقي هو ألا ينصاع إلى التقوقع في إطار الاختيارين المرتكزين بين «الذلة والسلة» التي يحاول الكيان الصهيوني أن يفرضها من خلال الجهات الدولية التي تتناوب بمراسيلها للعراق.

الخيار العراقي في هذه الحالة هو أن يكون العراق خليجياً، بمعنى أن يعمل في إطار معادلة التوازن الإستراتيجي بين دول الخليج العربية من جهة وإيران من جهة أخرى.

إنّ النموذج الخليجي الذي قدمته دول الخليج هو أكثر النماذج العربية استقراراً مقارنة بغيرها ممن اكتوت بمؤامرات الربيع العربي وفتن النزاعات الطائفية والعرقية. وفي الوقت ذاته، لابد من إدراك بأن بعض القوى العراقية لا يمكن تجاوز مصالحها وارتباطاتها الأيديولوجية والسياسية بيد أنه يمكن عقلنتها بما يحقق حلولاً مقبولة في حدها الأدنى.

إذا استطاع السياسيون العراقيون صناعة الخيار الثالث لهم، فقد ينجحون في تجاوز محنة خيارين كلاهما أمرُّ من الآخر. وفي كل الأحوال فمن المهم أيضاً أن تقوم دول الخليج بما يحقق مصالحها واستقرارها وأمنها وسلامة أراضيها من خلال تقديم الدعم اللازم في تجنيب العراق من أن يقع في فخ الخيارين.

لقد مرّت المنطقة الخليجية ومحيطها خلال الأربعين سنة الماضية بحروب عديدة، كمن قبيل الحرب الإيرانية- العراقية، وحرب الغزو العراقي على الكويت، وحرب إسقاط النظام العراقي، وحرب داعش، وحرب اليمن، وحرب سورية، والحرب مع الكيان الصهيوني، وكلها قد استنزفت ميزانيات وإمكانات ومقومات الدول الخليجية ولكنها حتى الآن صامدة ومستمرة في الحفاظ على استقرارها ونمائها، ولكن هنالك من يتطلع إلى إرهاق هذه الدول في حرب دامية كبيرة تشتعل على حدودها، لكونها الوحيدة التي تبقت من بين الدول العربية التي لا تزال مزدهرة. ومن هنا، أصبح الخيار الثالث هو الأمر لكل من العراق ودول الخليج على السواء.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي