فشلت الديمقراطية الحديثة في العالم على الرغم من كثرة المنظّرين لها والمستشارين بشأنها وفقهاء القانون والدستور؟ وفشلت تبعاً لذلك البرامج في الإصلاح التي رفعت راياتها روسيا وأميركا، وتلقاها العرب بكل أطيافهم فطاروا بها فرحين يظنون بها إكسير السعادة، وعلى قول الشاعر قيس بن الملوح:
(أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلباً خالياً فتمكّنا)
مثّل القوميون وشعار (الوحدة هي الحل) دون أن يقدموا ما يثبت صلاحية المبدأ؟ فزادت فرقتهم وكذلك الاشتراكيون وشعار (العمل والعمال) فأصبحت حياتهم كلها إضرابات ومظاهرات واعتصامات! والعمال مازالوا يكدحون!
والليبراليون الذين سقطوا سقوطاً مدوياً في (كامالا هاريس) حيث خدعوا العالم بشعار (الديمقراطية هي الحل) فقتلونا في ثورات الربيع العربي! وتبعهم الإسلاميون الذين تشدّدوا بشعار (الإسلام هو الحل) فلم يجتمعوا على شعارهم! الذي رفعوا؟ فكيف سيجمعون العالم؟ وعلى أي إسلام؟ وغيرهم كالناصريين والبعثيين والحداثيين كلهم فشلوا ولم يُحققوا ما يحلمون به؟
ولو أعمل هؤلاء فكرهم ورجعوا إلى أصلهم الأصيل وهو الإسلام الصحيح وليس الإسلام السياسي لوجدوا الصيغة التي تجمع ولا تفرق، وبرنامج العمل الذي يُنّمي ولا يهدم، ولتمكنوا من صياغة برنامج عمل يتفق عليه الجميع، فمصلحة الوطن والمواطن ليست مطروحة للمزايدة... لكن الكسل الفكري والتقليد الأعمى والانخداع بالشعارات الطنانة أدى إلى استمراء إطلاق النقد المعلّب والاكتفاء بالجدل العقيم الذي تصدره بعض الدكاترة المحترمين من انصاف المتعلمين الذين اتحفونا خلال الفترة الماضية ببلاغتهم اللفظية والقوانين الشعبوية يداعبون فيها أحلام الشعب المغلوب على أمره!
واليوم (اتسع الخرق على الراقع) فقد اتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أننا كنا ضحايا هذه الأحزاب وشعاراتهم، فقد استبدلنا الاستجواب وزخمه الإعلامي بالبحث العلمي الموضوعي؟ وخلطنا بين التحليل السياسي المدفوع الأجر! بالتحليل العلمي الرصين؟
ومن الطبيعي أن تتساءل لماذا لم يحصل أي تطور فكري حقيقي بالكويت طيلة الستة عقود الماضية من العمل في الدستور؟ لماذا معظم ما نسمعه ومازلنا من القادة في العمل النيابي هو اجترار للزمن الجميل والتأفف على فوات الوقت؟
والسبب الرئيس لهذه الانتكاسة الكبرى في العمل النيابي (الوطني والشعبي) اعتماد هذه الأحزاب على أشخاص وليس رأسمال حقيقي، لهذا اندثرت باندثار الأشخاص ووصولهم (الشيخوخة السياسية)، كما أن انحسار المدّ الخارجي وتبدل موازين القوى ساهم بإضعاف أداء الأحزاب لجهة اختلاف المزاج العام وتبدل الأولويات. لذا، ليس مستغرباً أن تركن الكويت الأحزاب في مكانها الصحيح... في الزاوية!