رغم أنّ القضية الفلسطينية من أبرز القضايا المركزية للدول العربية والإسلامية، شعوباً وحكومات، إلّا أنّ هناك فوارق شاسعة، بين مواقف هذه الدول تجاه القضية، من حيث درجة أولويتها وماهيّة حلّها النهائي.
فبعد أن كانت القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، لا يجوز التخلّف عنها من المنظور الإسلامي أو العروبي أو كليهما، تراجعت مكانة القضية الفلسطينية في العديد من الدول ولدى الكثير من الشعوب، حتى بات لدى كثيرين قضية عربية حصراً أو مُجرّد مسألة فلسطينية.
اليوم، الفوارق الفكرية بشأن نصرة القضية شاسعة، حتى بين هؤلاء الذين ما زالوا يعتبرونها قضية مركزية للأمّتين. بل، حتى بين المشتركين منهم في الانتماء العرقي والديني. ومن باب المثال، سأشير إلى منظورين متباينين لدى سياسيَّين قياديَّين شَهيدين (الأوّل قَتَلتْهُ إسرائيل في لبنان، والثاني قُتل في العراق بعد إمامة صلاة جمعة والخروج من المسجد) كانا يعتقدان بمركزية القضية الفلسطينية، ويشتركان في الانتماءين العرقي والمذهبي. أحد أبرز أصحاب المنظور الأوّل هو الأمين العام الثالث لحزب الله، سيد حسن نصرالله، الذي كان يعتبر تحرير فلسطين القضية المركزية، حتى لو تَخَلّى أو تقاعس عنها معظم الدول العربية والإسلامية. ولأجل مناصرة هذه القضية، قاد الحزب في مواجهات عسكرية مُتعدّدة، كان آخرها فتح جبهة «إسناد وتضامن» مع غزّة، ضد إسرائيل. استمرت مفتوحة لمدّة زادت على السنة، رغم ما شهدته من قصف متبادل بالصواريخ والطائرات المسيّرة والطائرات الحربية، فضلاً عن الحرب البرية.
في المقابل، أحد أبرز أصحاب المنظور الثاني هو سيد محمد باقر الحكيم، مؤسّس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي. حيث إنه، رغم اشتراكه مع أصحاب المنظور الأوّل في مركزية القضيّة الفلسطينية للأمتين العربية والإسلامية، إلّا أنه كان يعتبر إجماع ومشاركة الأمّة (العربية أو الإسلامية) شرطاً مفصليّاً للدخول في أيّ مواجهة عسكرية ضد إسرائيل.
فإلى جانب القضيّة الفلسطينية، لدى شرائح واسعة من الأمتين العربية والإسلامية قضايا مركزية أخرى، لا ينبغي التخلّي عنها أو الإضرار بها بدافع التمسّك بالقضية الفلسطينية. ومن بين أبرز هذه القضايا المركزية : السلم الأهلي وحرية العبادة.
وحسب رأي مراقبين سياسيّين، كان لهاتين القضيتين المركزيّتين أثر مفصلي في مجريات الثورة السورية.
ففي مراحلها الأولى، منذ سنة 2011، عندما تبنّى الثوّار النحر على الهوية والوعيد بقمع الحريّات الدينية وهدم دُور العبادة. كانت هاتان القضيّتان من بين أسباب فشل الثورة. ثم، على النقيض، في المرحلة الأخيرة من الثورة، بعد تنقيح وإصلاح خطابها السياسي، كانت هاتان القضيّتان من أبرز مقومات نجاح الثورة والانتقال السلمي للسلطة.
فحسب ما تناقلته وسائل الإعلام العربية والدولية، وما انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصدرت «هيئة تحرير الشام» – منذ بداية تحرّكها في 27 نوفمبر – بيانات عدة كان غرضها طمأنة العلويين والشيعة والأقليّات السورية الأخرى.
وقد تكون أكثر رسائل الثوّار طمأنة، تلك التي جاءت على لسان قائد «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة CNN الأميركية، وتحديداً جوابه عن سؤال بشأن مخاوف الأقليات على سلامتهم. حيث أجاب بأنه «كانت هناك بعض الانتهاكات ضد الأقليات من قبل أفراد معينين خلال فترات الفوضى، لكننا عالجنا هذه القضايا»، وقوله «إن هذه الطوائف تتعايش في هذه المنطقة منذ مئات السنين، ولا يحق لأحد القضاء عليها». وبالفعل، ما زال الثوّار ملتزمين بوعودهم.
في الختام، أسأل الله أن يُعزّز ويُديم الأمن والسلم الأهلي والحريّات الدينية في سوريّة، وأن يُوفّقني قريباً لزيارة مرقد السيّدة زينب بنت علي بن أبي طالب، عليهم السلام... اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.
abdnakhi@yahoo.com