قدّمتها «الفنون المسرحية» في آخر عروض «الكويت المسرحي 24»

«نداء»... لا «حياة» لمن تنادي

تصغير
تكبير

«لا حياة لمن تنادي»... هذه خلاصة العرض المسرحي الذي قدمته فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية، في آخر العروض الرسمية لفعاليات الدورة الرابعة والعشرين، وكان عنوانه «نداء»، من تأليف الكاتب عثمان الشطي، سينوغرافيا وإخراج فيصل العبيد، ومن بطولة عبدالله البلوشي وسالي فراج، وغيرهما من طلبة المعهد المسرحي، الذين قدموا تجربة فنية جميلة تناولت صراع الأمل والمعاناة.

ودارت أحداث العرض حول «حياة» التي تواجه صراعاً داخلياً دائماً مع عقلها الباطن أو «الظل» الذي يشكّل مخاوفها، فهي رغم الظروف القاسية التي تحيط بها، إلا أنها تسعى لإثبات وجودها وحقها في السعادة، بينما يذكّرها «الظل» بواقعها المؤلم، ما يزيد من شعورها بالضياع، فتعيش في حالة من الانفصام، مع قلق مستمر أثناء سعيها لتحقيق السلام الداخلي.

لا يمثل «الظل» مجرد هواجس، بل كان تجسيداً للحالة النفسية التي تعاني منها «حياة»، وهو شخصية خيالية، يكتسيها السواد، يظهر ويختفي بهدوء كالسراب، غاضب، ثائر، متمرد، يلازم «حياة» أينما ذهبت، يتغذى على ضعفها... كان أكثر من مجرد عقل باطن، بل حياتها الأخرى، حيث تريد أن تكون.

تميز نص الكاتب عثمان الشطي بعمق إنساني لافت، وعكس الصراعات النفسية عبر شخصيات معقدة مثل «حياة» و«الظل»، اللتين رسمهما بإبداع، وبرع المخرج فيصل العبيد في خلق جو درامي مشحون بالتوتر، تتحرك فيه هاتان الشخصيتان، مستخدماً ديكوراً بسيطاً لكنه فعّال، مع تقنيات إضاءة وموسيقى متناغمة، بجانب مهارته في إدارة بطلي القصة، حيث كانت حركتهما مدروسة بعناية.

كما شكلت ثنائية عبدالله البلوشي وسالي فراج توازناً مثالياً على المسرح، وكان أداؤهما متكاملاً، فالبلوشي جسد شخصية «الظل» بكل تعقيداتها، وتمكن من نقل لحظات الصمت والتوتر بتعبيرات جسده المتقنة، بينما أظهرت سالي فراج مهارات تمثيلية عالية المستوى من خلال انتقالاتها السلسة بين لحظات الضعف والقوة، وكانت قادرة على تجسيد مشاعر الخوف والضياع لدى «حياة» بمرونة، ما جعل أداءها يلامس الوجدان.

ونجح صُنّاع وبطلا مسرحية «نداء» أن يقدموا تجربة مؤثرة تعكس التعقيدات النفسية التي يعيشها الإنسان، بالإضافة إلى إبراز أهمية مواجهة الذات والبحث عن السلام الداخلي رغم التحديات المحيطة، وقدمت رسالة مفادها أن الأمل الذي نسعى لتحقيقه في حياتنا ليس مجرد حلم، بل هو هدف سامٍ يتجاوز حدود الواقع المظلم.

«الندوة الفكرية»

أعقب العرض، ندوة فكرية في قاعة الندوات بمسرح الدسمة، أدارتها نيفين أبولافي، وعقّب فيها الفنان طالب البلوشي من عمان، والفنانة رفيقة بن ميمون من المغرب.

في مستهل تعقيبه شكر البلوشي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وكل القائمين على المهرجان، وقال: «قدم المعهد العالي للفنون المسرحية عرض (نداء)، ونحن بالفعل محتاجون لهذا النداء».

واستدرك متسائلاً: «ولكن هل هذا نداء كاذب، فقد تعودنا أن نقول كلمة بلاغ كاذب، فهل البلاغ مثل النداء؟... فعلاً، نحتاج النداء في ظل ما يدور من حولنا من أهوال وحروب، وحينما نتحدث عن الحياة، فكلنا يبحث عنها، فهل كلمة نداء من أجل أن نصل إلى حياة؟».

وأضاف «أحيي المخرج فيصل العبيد، ومعه الطاقم بأكمله، على هذه المسرحية ومعهم طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية. هذا المعهد الذي يعد ورشة فنية في الكويت التي تصنع الفنانين الكبار، حيث إن الكثير من الفنانين في عمان تخرجوا في هذا المعهد».

من جهتها، تحدّثت بن ميمون، قائلة إن «النص يتحدث عن فتاة في عمر خمسة وعشرين عاماً، يأتيها نداء كاذب، ولكن المؤلف أطلق رصاصة في اتجاه المخرج وانشطرت الرصاصة إلى آلاف الشظايا، لآلاف المظلومين الذين نشاهدهم يومياً على أرض الواقع».

وأشارت إلى أن هذا العرض الناجح صالح لأي مكان، كما أعطانا دروساً في المسرح والتكنولوجيا، حيث كانت الأفكار مكتوبة بالأجساد والأزياء، وكانت الرسالة واضحة والاتقان كذلك.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي