هل تخلّت إيران وروسيا عن الأسد قبل سقوطه؟

مقاتلون من المعارضة في باحة المسجد الأموي في دمشق    (أ ف ب)
مقاتلون من المعارضة في باحة المسجد الأموي في دمشق (أ ف ب)
تصغير
تكبير

للحظة الأخيرة من حُكْم بشار الأسد، لم تتخلّ إيران عن منطقة نفوذها في سورية ولا عن الرئة التي يتنفّس منها «حزب الله» لتسليحه في مواجهة إسرائيل وخصوصاً بعد حرب لبنان الثالثة التي لم تنته فصولها بعد. وكذلك موسكو لم تترك مصالحها العسكرية والاقتصادية والمائية في بلاد الشام حتى اللحظات الأخيرة. فلماذا إذاً سقط الأسد وكثر الكلام عن تخلي حلفائه عنه؟

لم يكن الأسد تحت رحمة إيران وروسيا كما كان يردّد العديد من المحللين والدول. بل على عكس ذلك، فقد كان يَعتبر أن مسألةَ حماية سورية واجب على روسيا وإيران للدفاع عن مصالحهما والدفاع عن موطئ قدم يُقدم لهما ما دام هو في السلطة.

إذ قبل بدء الحرب على سورية، كان تدفُّق الأسلحة لـ «حزب الله» مدروساً لدرجة ان إيران اعتقدت ان تسليم الصواريخ الإستراتيجية إلى الحزب وإنشاء وحدات أقوى منها على الحدود اللبنانية - السورية والحدود مع فلسطين هو الضمانة لكسْر إسرائيل، وذلك على قاعدة أن امتلاك «حزب الله» للسلاح الإستراتيجي يَفرض معادلة حماية إيران أيضاً إذا تعرضت لأي اعتداء يستوجب فتْح جبهات عدة خصوصاً لأقوى حليف أيديولوجي لها في لبنان.

فقد دَفَعَ احتلال أميركا للعراق عام 2003 إلى بروز «القاعدة في العراق»، وبقيتْ سورية ساحة وكذلك لبنان، حيث يمرّ جميع مَن يرغب بمحاربة أميركا في العراق تحت أنظار الحكومتين مع تسهيل مرورهم. وهذا فتح شهية هؤلاء لبناء قواعد لهم.

ومع بدء الصراع في سورية، قرّرت إيران - التي تملك قرار انتشار «حزب الله» خارج لبنان وتؤمن الميزانية والسلاح اللازم له واستقطاب أعداد الملتحقين به - ارسال الحزب إلى سورية ليقاتل على أرضها قبل أن تسقط.

وكذلك فعلتْ روسيا من خلال الدعم الجوي ما دام الجيش السوري يرغب في المقاتلة. وهذا ما سمح بانتزاع الأراضي، مدينة تلو الأخرى، لتعود إلى سيطرة الدولة السورية.

ولم تشتعل الجبهة السورية إلا في أواخر 2019 وفي الأشهر الأولى من فبراير 2020 حين قررت الدولة السورية والحلفاء إعادة فتح طرق الـ M5 و M4 بالقوة لتتوقف الحرب بعد اتفاق روسي - تركي - إيراني.

واستمرّت الحال على ما هي حتى الشهر الماضي حين بدأت الحملة العسكرية لإسقاط حلب. وكان بشار الأسد في روسيا حين بدأت الحملة، التي كان يتم تَناقُل أخبارها قبل أشهر من انطلاقها، ودخلت قوات هيئة تحرير الشام ومعها 17 فصيلاً آخَر إلى الأرياف ووصلت إلى حلب من دون مقاومة تذكر.

وقال الأسد لحلفائه إن انسحابه من حلب تكتيكي بينما كان الانسحاب نتيجة عدم رغبة الجيش في القتال والحلة الجديدة التي قدّم أبو محمد الجولاني – أحمد الشرع – نفسه.

اما عن إيران و«حزب الله»، فقد كانت العلاقة مع الأسد تشوبها المواقف المتضاربة. فالرئيس السوري السابق رفض أن يَفتح حزب الله وإيران المخازن لتُفتح الجبهة السورية ضد إسرائيل دعْماً لغزة. ورَفَضَ دعْم الجبهة اللبنانية بالسماح لوحدات «حزب الله» الصاروخية باستخدام مخازنهم في سورية كما كانت تقتضي الخطة الموضوعة في زمن الحرب.

وكان الأسد قد رفض ان تردّ إيران على الضربات الإسرائيلية التي دمّرت مقومات ومقتدرات عسكرية إيرانية مهمة في كل أنحاء سورية. وهذا ما أكده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أعلن ان القضاء على مقومات «حزب الله» لم تكن لتحصل لولا ضرْب المواقع والمَخازن العسكرية الإيرانية الإستراتيجية في سورية.

ورَفَضَ الأسد الإصغاء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا لإيران بالذهاب للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أبدى استعداده لذلك. واعتقد الأسد أن علاقته مع دول شرق أوسطية كافية لعودته إلى الحضن الدولي.

وقبل سقوط حمص، أرسل «حزب الله» الالاف من المقاتلين. وتعلم موسكو وطهران انه لن يكون في استطاعة أحد إنقاذ الوضع في سورية إذا لم يرغب الجيش السوري في القتال. وهذا ما حصل، إذ ان الآلاف من المقاتلين لا يستطيعون تغيير المعادلة في مساحة 30.000 كيلومتر مربع، أي 3 مرات حجم لبنان إذا فُقدت الرغبة في القتال.

ومن الطبيعي ألا يرغب في القتال جيشٌ تعب من الحرب ورأى انه غير معرّض للهلاك وان المقاربة مختلفة هذه المرة عن سابقتها وان وضْعه المعيشي المتدهور لا يسمح بالتضحية مقابل نظامٍ يتدهور. ولذلك حصل للجيش السوري ما حصل للجيش العراقي عام 2003 عندما خلع الجميع ثيابهم المرقطة وتخلّوا عن بنادقهم وذهبوا إلى المنازل.

وهكذا أتى أمرُ الانسحاب من قبل حلفاء دمشق في نفس اليوم وقبل ساعات من سقوط حمص ودمشق. وهذا ما وضع كلمة النهاية لنظامٍ لم يشأ محاربة إسرائيل في وقت الحربِ ليثبت أن «محور المقاومة» غير موجود إلا في نفوس العقائديين الذين اعتقدوا ان جبهة القتال ضد إسرائيل أكبر مما هي على حقيقتها. وتُركت المخازن التي لم يرد بشار استخدامها لقتال إسرائيل لتأتي الأخيرة بعد سقوطه وتدمّرها كلها، ما دام لن يستفيد منها أحد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي