بودي والشطي وأبوالملح تناقشوا في ديوان «سهر والمعطش»
الشعر والرواية الكويتية والوحدة الوطنية... في عُيون صنّاعها
- هيثم بودي: ملاحم كثيرة مرّت على الكويت... لكنها نُسيت
- يوسف الشطي: بذرة بداية الوحدة الوطنية من البيت قبل المدرسة والشارع
- علي أبوالملح: الأدب قادر على أن يخلق شيئاً من الانتماء في النفس
- نجم عبدالكريم: عقب الاحتلال ازدادت البضاعة الاستهلاكية التي ليس فيها إخلاص
- عبدالله سهر: الرواية تعبّر عن واقع الكويت الأجمل مما يحاول البعض أن يلوّثه
اجتمع الروائي والقاص هيثم بودي إلى جانب الشاعر يوسف الشطي والروائي والمحامي علي أبو الملح، مساء أمس، في ديوان «سهر والمعطش» المعروف باسم «ديوان الوحدة الوطنية 2»، وتناقشوا بإدارة الدكتور عبدالله العتيبي – أستاذ الأدب في الخليج بجامعة الكويت - حول الشعر والرواية الكويتية والوحدة الوطنية، حيث عبّر كل واحد منهم عن المحور المطروح من منطلق تخصصه، وسط حضور كوكبة من المثقفين والأدباء والأكاديميين.
«مكتبة والدي»
بداية، تحدث بودي بالقول: «منذ الصغر كنت أمتلك شغف دراسة اللغة العربية، وكوني أنتمي إلى عائلة تجارية، استغرب الأقارب هذا الأمر، لكن والدي - رحمه الله - كان أديباً ولديه مكتبة أدبية ضخمة، أعتقد أنني تمكنت من قراءة كل ما فيها في سن صغيرة، وهو الأمر الذي قادني إلى هذا الشغف الكبير في داخلي منذ عمر الرابعة عشرة فقط، فاطلعت على الثقافة العربية بقدر كبير».
وأضاف «كذلك كان لوالدتي - رحمها الله - دور كبير في مخزوني التاريخي، حيث كانت تروي لي دوماً عن الدول مثل كراتشي وبومباي وغيرهما باعتبار أن والدها - جدّي - كان نوخذة يجوب البحار، كما كانت تمتلك طريقة رائعة في السرد، وأعتقد أنني أخذت منها الكثير».
وأكمل: «(الطريق إلى كراتشي) أول رواية لي، هي من قدمتني للساحة، إذ لم أتخيل يوماً أنني قد أدخل هذا العالم، ومن شجعني على كتابتها هو الراحل الأديب والروائي إسماعيل فهد إسماعيل عندما قمت بزيارة ودية له، وعرضت عليه كراستي التي تضم أكثر من 15 عملاً ذات طابع تراثي تاريخي».
وأردف بودي: «ملاحم كثيرة مرّت على الكويت، لكنها مع الأسف نُسيت وغير موجودة في مناهجنا، إذ أتذكر والدي عندما كان يتكلم عن الطاعون وجده، حينها كانت تدمع عيناه، خصوصاً عندما يذكر كيف نجا جده من هذا الطاعون العظيم الذي قتل الكثير من أهل الكويت في عز نشأة البلاد آنذاك».
واستطرد «كما لا أنسى ملحمة الجدري في العام 1932 الذي عصف بالآلاف خلال فترة زمنية قصيرة معظهم من الأطفال، لتأتي بعدها الهدّامة الأولى في العام 1934، ثم أتت بعدها سنة البطاقة بالعام 1942، وبعدها اندلعت الحرب العالمية الثانية في العام 1945 وظهرت الغواصات في بحر العرب خصوصاً الألمانية منها التي كانت تقصف السفن الكويتية، وبعد كل تلك الملاحم التي عصفت بالكويت ظهر النفط».
«قرأت الشعر قبل أن أقربه»
من جانبه، اعتبر الشطي أنه «في ما يخص الوحدة الوطنية، أعتقد أن هذه البذرة بدايتها ونشأتها من البيت قبل المدرسة والشارع، حيث إن والدي - رحمه الله - كان مدرس لغة عربية، فقرأت الشعر قبل أن أقربه، قرأته من مكتبته بعمر صغير، لذلك أحببته من خلال الثقافة التي وجدتها عند والدي واكتسبتها بصورة غير مباشرة».
وأضاف: «أما بالنسبة إلى الروح الوطنية، فهذا أمر كان يزرع بإصرار منذ طفولتي، إذ عندما كنت أتحدث مع والدي عن أي شيء يخص الكويت بأي مجال، كان دائماً يُصرّ على أن يثبت لي بالأدلة أن الكويت أفضل دولة في العالم على الأصعدة كافة».
وأكمل في القول: «في العام 1990، بدأت بكتابة الشعر وكنت حينها بعمر الخامسة عشرة فقط، ولو أردت أن أقسّم القصيدة الوطنية، أقسّمها إلى ثلاث مراحل، أولاها مرحلة ما قبل الغزو (فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي)، وفترة ما بعد الغزو وصولاً إلى العام 2016، والفترة ما بعدها وصولاً إلى يومنا الحالي».
ثم أوضح قائلاً أنه «في فترة ما قبل الغزو، كانت الأغنية الوطنية في أوجها، وشعراؤها قدّموا أجمل ما يمكن مثل، الدكتور يعقوب السبيعي والدكتور عبدالله العتيبي والأستاذ محمد الفايز وغيرهم، هذا إضافة إلى الدعم المباشر من الدولة التي تمثل الأم المعطاءة من دون انتظار مقابل. لذلك، نجد أن تلك الأعمال ما زالت خالدة ليومنا الحالي، كونها مكتملة الأركان من حيث الكلمة والأداة (الفنان) واللحن».
وأكمل الشطي «أما مرحلة ما بعد الغزو، فأعتقد أن الأغنية الوطنية مرّت بأزمة كلمة، لأن الفترة قبلها، كانت فيها القصيدة أجمل وأبلغ وقدمت بشكل يليق بالكويت، وهذا لا يعني أن الأعمال اللاحقة تنافي المعنى من الناحية الوطنية. كذلك، اختفت القصيدة الفصحى وانتقلت إلى العامية، وهذه مشكلة كبيرة لعدم وجود ناقد متخصص ينقدها بشكل موضوعي».
وختم قائلاً: «في الفترة ما بعد العام 2016، بدأ القطاع الأهلي يكثف نشاطه في إنتاج الأعمال الوطنية، ما شكل أثراً إيجابياً رغم الجانب التسويقي الذي يهتم له، وهذا من حقه كونه يتكفل بكامل المصاريف. فالدولة لم تعد تقدم هذا الزخم الذي كنا نشهده في الماضي».
«3 أمور»
بدوره، تحدث أبو الملح عن ثلاثة أمور، «أولها مدلول الانتماء في الأدب العربي، إذ لو نلاحظ في وسائل التواصل الاجتماعي أن أكثر الأشياء انتشاراً هي الاقتباسات من شعر ورواية، ونجد نوعاً من التعلّق من الناس فيها، لأن الأدب قادر على أن يخلق شيئاً من الانتماء في النفس، تحديداً إن كان يطرح المشاكل والهموم التي يعاني منها الناس والمجتمع».
وأكمل: «الأدب قادر على صنع هذا النوع من التعلّق، وحتى الفلاسفة مثل الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك نيتشه كان يكتب بأسلوب الشذرات الشعرية لإدراكه أن الشعر لديه المقدرة على إيصال المعلومة بشكل دقيق جداً، وهذا مدلول الانتماء بشكل عام بأن الأدب قادر على بناء حالة من الانتماء لدى القراء».
أما الأمر الثاني، فأشار أبوالملح إلى أنه «غرس القيمة بدلاً من الأيديولوجية في الرواية، إذ من الوهم من يقول إن الكاتب أو الروائي يستطيع أن يكتب بتجرد من أيديولوجيته، فكل إنسان لديه مرجعية أخلاقية يجدها في كتاباته وهذا أمر طبيعي. لكنني أعتقد أننا نفتقر في الروايات الحديثة لوجود القيم، فاليوم هناك حالة سيئة من العنصرية والتفكك نلاحظها في المجتمع، وأعتقد أنه لو وجد حراك أدبي جيّد يلامس حالة من التواؤم والتعايش ستكون بالمقابل النتيجة جيدة».
وختم قائلاً: «نأتي إلى الأمر الثالث، وهو ما الذي يحتاج إليه الكاتب الكويتي ليصبح لديه نتاج ذهني جيد، فأعتقد أنه يجب خلق حالة من التفرغ التام له لأن العبقرية تخرج من التفرّد، كذلك يجب على الدولة أن تتبنى الحالة الأدبية والحراك الفني والثقافي، لأنها تُعتبر حالة قيّمة للاستثمار فيها، كونها تمتلك القدرة على تصفية كل النزاعات الموجود على الطاولة».
«القافلة استمرت في العطاء»
وفي مداخلة من الدكتور نجم عبدالكريم، قال: «توجد صور فوتوغرافية لمجموعة من الأدباء الكويتيين في العشرينيات من القرن الماضي، في وقت كان فيه الفقر الأدبي والفكري والثقافي، لكن تلك القافلة استمرت في العطاء إلى أن وصلت إلى إنشاء رابطة الأدباء بالستينات من القرن الماضي. هناك كثير من الكُتّاب الرائعين غير المعروفين منهم، فهد الدويري وسليمان الشطي الذي كتب (الطاعون) وخالد سعود الزيد الذي كتب (أمثال شعبية)، إذاً انعكاس الواقع الوطني والفكري والثقافي للمجتمع الكويتي تجده في هذه الأقلام. وما يؤسف له، أنه عقب الاحتلال العراقي ازدادت البضاعة الاستهلاكية التي ليس فيها إخلاص».
«شكراً للحضور»
وخُتمت الأمسية بكلمة ألقاها الدكتور عبدالله يوسف سهر - أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الكويت - قال فيها: «شكراً لكل الحضور على رأسهم الأديب الدكتور نجم عبدالكريم الذي يعتبر أيقونة من أيقونات هذا الوطن، والذي طالما صدح بكلمات حب الوطن والوطنية، كذلك الأستاذ أحمد باقر أحمد أعلام هذا الوطن الذي لطالما يدفع بقلمه وبكلماته نحو حب الوطن والتلاحم بين أبناء الشعب».
وأضاف «لا شك أن تواجد الإخوة أعلام الأدب في الكويت المشاركين في هذه الجلسة الحوارية، تقع على عاتقهم مهمة كبيرة في كتابة رواية الكويت، العظيمة والمليئة بالعِبر، والتي نجد فيها التسامح والمحبة والالتزام بالقيم الإسلامية والعربية والإنسانية، والتلاحم الوطني بوقت الأزمات، وهذا معدن الكويت والكويتيين».
وأردف «الرواية تعبّر عما يدور في صدر كل كويتي، وعن واقع الكويت والذي هو أجمل بكثير مما يحاول البعض أن يلوثه ببعض القضايا الهامشية التي تقع، ويحاول تركيب بعض الأمور عليها لتشويه هذا المشهد الجميل».
«قصاصة صغيرة»
أوضح هيثم بودي، في حديثه أهمية الملاحم التي مرّت بها الكويت، وبعد بحث طويل عثر على قصاصة صغيرة عن ملحمة الطاعون للباحث أحمد البشر الرومي، ومنها استقى ما كتبه في روايته «الدروازة في زمن الطاعون»، والتي حولت لاحقاً إلى عمل درامي.
«تدني ذائقة الجمهور»
أشار يوسف الشطي إلى تدني ذائقة الجمهور، معتبراً أن «فترة ما بعد الغزو أصبح لدينا تدنٍّ بذائقة بعض من الجمهور وضحالة بعض الفنانين، إلى جانب القائمين على صناعتها ممن لا يمتلكون الخبرة الكافية».