الجيش السوري يتحصّن في مدن لا شهية له بالقتال فيها... وإسرائيل تتحضّر للقضْم

مقاتلون من المعارضة في ريف حمص (رويترز)
مقاتلون من المعارضة في ريف حمص (رويترز)
تصغير
تكبير

تتسارعُ الأحداثُ في سورية بسرعةٍ أكبر من كتابةِ الكلمات وتتبدّل الأحداث أثناء النشر، لتتخطى التطوراتُ كل التوقّعات.

وما هو ثابِتٌ في سورية اليوم، أن الجيش قرّر الدفاع عن مدن حمص ودمشق وطرطوس واللاذقية، وتشكيل خط صدْم أمام هذه المدن في محاولةٍ لوقف تَقَدُّم القوات المُهاجِمة وكسْر زخمها.

إلا أن الدلائل تشير عكس ذلك وأن العاصمة من الصعب أن تصمد طويلاً، مما يجبر الرئيس بشار الأسد على التركيز نحو اللاذقية وطرطوس بعد مغادرة دمشق ومن ثم حمص إذا فشل الجيش بحماية المدينتين.

وفي الوقت نفسه، تتحضّر إسرائيل - بعد استدعاء قوات إضافية محترفة (وليس احتياط) لتلتحق بالفرقة 210 المنتشرة في الجولان المحتل - لقضْم المزيد من الأراضي السورية ما دامت بلاد الشام ذاهبة من دون أدنى شك نحو التقسيم الذي لا مفرّ منه.

وعلى عكس ما نُشر في الإعلام، دفعت إيران وحلفاؤها بقواتٍ عسكرية إضافية في محاولة لدراسة الوضع العسكري إذا أمكن الصمود. وقد أجْلى حلفاءُ سورية كل الإداريين على كل المستويات، لأن مناطق سيطرة الجيش أصبحت مسرح عمليات حربية، والكلمة اليوم بقيت للميدان وللسلاح. ويبدو ان قوات حلفاء النظام الباقية والمعزَّزة قررتْ الدفاع عن مراكزها ما دام الجيش يَبقى في مكانه.

ومن غير المستبعد أن تنتقل القوات المُهاجِمة إلى سياسةٍ مختلفة بعيدة عن التصادم مع القوة الكبيرة من الجيش السوري لتلتفّ على مدينة حمص بعدما بلغت أبوابها في تلبيسة وتذهب في اتجاه قطْع الطرق بين حمص ودمشق نحو قارة والنبك لتتجه نحو دمشق وتحاصرها خصوصاً بعدما انسحب الجيش من المحافظات الجنوبية في السويداء والقنيطرة ودرعا.

إلا أن المحافظات الجنوبية لم تكن يوماً تحت سلطة حكومة دمشق الفعلية، بل بقيت لسنوات على حالها، ونُظمت الخلافات بين الجيش والمعارضة التي بقيت في مواقعها من دون حالة قتال.

وتالياً من الطبيعي أن تصبح هذه المحافظات، وحتى ريف دمشق، وهي تبلغ أكثر من 50 قرية، خارج سلطة النظام السوري في هذا الوقت بالذات.

أما عن المحافظات الشمالية، فقد انسحب الجيش السوري من البادية ومنها تدمر وحتى شرق حمص، مدينة القريتين، لتجميع قواته داخل المدن التي يريد حمايتها حول العاصمة والساحل.

وتالياً، فقد بسطت القوات الكردية والعشائر الشمالية سيطرتها على البوكمال على الحدود مع العراق وعلى محافظات دير الزور والحسكة والرقة، ولاتزال تقاتل في جزء صغير من محافظة حلب حيث تستمرّ المعارك بين القوات المُهاجِمة والأكراد في مناطق منبج ومسكنة لفرْض سيطرة القوات الآتية من إدلب وحلب عليها.

وهي مسألة وقت حتى تخسر القوات الكردية ما تبقى لها في ريف حلب الشرقي لمصلحة القوات المُهاجِمة التي تكون سيطرت على محافظة إدلب كاملةً وكل محافظة حلب بعد دحْر القوات الكردية، وعلى محافظة حماة وجزء يسير من محافظة حمص.

إسرائيل وأهدافها

تتحضر إسرائيل للتقدم نحو الأراضي السورية لحماية ما احتلتْه سابقاً في هضبة الجولان ولإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية. فلا بد لتل أبيب - التي تعتقد أن حدود «دولتها الكبرى» تصل إلى دمشق - أن تحاول حماية نفسها في ظل عدم ثقتها بالحكومة كما بالقوات المُهاجِمة.

فإسرائيل تعلم أن الأسد رَفَضَ مقاتلتَها طوال سنوات الحرب رغم آلاف الغارات على أراضيه. ولم يدخل كشريكٍ في «محور المقاومة»، ليثبت ويؤكد أن هذا المحور كان وهماً إعلامياً، مؤلّفاً من «حزب الله» دون غيره بعدما رفض العراق التدخل مباشرة في الحرب دَعْماً لقطاع غزة، عدا عشرات المسيرات التي أرسلت «رفع عتب».

كذلك أعلنت بغداد أنها لن تتدخل في أمور سورية الداخلية. وتَعلم تل أبيب أن الأسد ذهب إلى دول الشرق الأوسط لتحسين صورته ولم يَعُدْ يتعامل مع القوات الصديقة (الإيرانية وحلفاؤها) الموجودة على أرضه، كما كان يتعامل معها أثناء الحرب السورية.

لذلك اعتبر الأسد أن من مصلحته عدم الدخول في حربٍ مع إسرائيل لأن الشعب لا يرغب بالانخراط في حروب إضافية، وهو عمل لرفع العقوبات الغربية من خلال إعادة بناء الجسور مع دول المنطقة والغرب. ولكن إسرائيل تَعلم أيضاً انه لن يتخلّي عن إيران و«حزب الله» وليس بوارد قطْع طرق الإمداد للبنان.

إلا أن إسرائيل لا تعلم في الوقت نفسه كيف ستتصرّف القوات المُهاجِمة عندما تزيل حكم الأسد، وتتساءل إذا كانت بنادقها ستتجه نحوها؟ وهل ستدعم القضية الفلسطينية؟ وهل قيادة هذه القوات الحالية ستبقى في الحُكْم ولن تُقلب الطاولة عليها من الداخل ليأتي حاكِم آخَر بأجندة عدائية تجاه إسرائيل؟

هذا يعني أنه لتل أبيب مصلحة بضرب مخازن الجيش السوري، لكن من دون القضاء عليه ليستمرّ بالقتال، ما يعني واقعياً إضعافَ الطرفين.

وهذا ما ستعمل عليه إذا صَمَد الجيش وأُنهك في القتال وأَضْعَفَ في الوقت نفسه القوات المُهاجِمة، لتخرج سورية من دائرة تشكيل أي خطر على إسرائيل بطرفين كلاهما أضعف من أي وقت.

خلاصة

لم يعد الجيش السوري يبحث عن حماية الجغرافيا والتمسّك بالأرياف بل عن تجميع القوات في مدنٍ يستطيع الدفاع عنها وإستهداف القوات المُهاجِمة إذا قرر الصمود، وهذا يبدو مشكك به.

فالقدرات القتالية موجودة، ووضْعُ الحلفاء داعِمٌ وقواتهم في تدفق مستمر ولكنها غير نافعة إذا لم يقاتل الجيش الذي يبدو مترنخ ولا شهية له بالقتال.

ويبقى أن الميدان هو الذي سيقرر شكل سورية المقسمة وتداعيات هذا التقسيم على لبنان بالدرجة الأولى والدول المجاورة.

أما أهداف المعارضة فتعتمد فقط على سلْب إرادة القتال للجيش قبل التصادم معه إذا إستطاعت. إلا أن شمال شرقي سورية، مركز الطاقة من النفط والغاز والسلة الغذائية، سيبقى بيد القوات التركية بغطاء أميركي يفرض التقسيم كأمرٍ واقع إلى حين يَنجلي غبار الحرب الكبرى المقبلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي