فصائل المعارضة تسيطر على حماة... رابع كبرى المدن

حمص ترسم خريطة تقسيم سورية أو مستقبل بلاد الشام لأمد بعيد

مقاتل من المعارضة يصلي في وسط حماة أمس (أ ف ب)
مقاتل من المعارضة يصلي في وسط حماة أمس (أ ف ب)
تصغير
تكبير

أسقطت قواتُ المعارضة السورية، مدينة حماة الإستراتيجية، بعد الالتفاف وعزْل مناطق الدفاع الأمامية، فدخلت رابع كبرى المدن السورية، من الشرق والغرب، ما أجبر المدافعين على التراجع نحو حمص كسيناريو استباقي للدفاع عن المدينة - المركز.

وتُعتبر حماة ساقطة عسكرياً، خصوصاً أن القوات المهاجمة تسعى إلى التقدم السريع وترْك قوة خلفها لتتعامل مع الجيوب المتبقية المتعددة مهما كان حجمها.

ولا تتعامل القوى العقائدية المتقدّمة بلغةِ الأعوام الماضية الدموية، بل تفاوض للاستيلاء على الأرض وتفتح المجال لانسحاب قوات الجيش من مناطق داخل المدن من دون قتال وبأمان إلى مناطق أخرى من خلال مباحثات سريعة النتائج مقابل احتلال الأرض وتوسّع الجغرافيا.

فماذا يخبئ المستقبل لبلاد الشام؟

لا شك في أن سورية لن تعود كما كانت عليه لسنوات طويلة. فالقوات المُهاجِمة تتجه نحو مدينة حمص وعيْنُها على دمشق العاصمة.

وفي حال توقفت هذه القوات على أبواب حمص لمدة طويلة وفَقَدَتْ زخمَ الهجوم، فإن الحدود الجديدة ستُرسم هناك. فحمص مركز أساسي متشعّب لمناطق عدة، وهي المحور الذي يُشكِّل، انطلاقاً من حجم المدينة والمحافظة، 4 مرات حجم لبنان، وتربط طرطوس واللاذقية والطريق إلى لبنان غرباً والعاصمة دمشق مع ريفها جنوباً، وديرالزور والرقة شرقاً.

ومن الطبيعي أن ترسم الحدود الجديدة التي ستتوقف عندها القوات المهاجمة «خريطةَ سورية الجديدة»، حيث سيدرس الحلفاء، روسيا وإيران، الإمكانات والقدرات ونتيجة التدخل وحجمه، إما لوقف الهجوم أو اتخاذ قرارات مختلفة ستعتمد بشكل أساسي على قدرات القوات الأرضية ورغبتها في القتال وعامل اجتماع وزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا اليوم الجمعة في الدوحة.

فتركيا الرابحة والتي تحقق حلمها القديم «باستعادة» مدينة حلب، دخلت على الخط مباشرة لتُظْهِر نفوذها وتُخْرِج ما في جعبتها من خلال التفاوض على خروج ضباط الجيش السوري من الأكاديمية العسكرية في حلب بأمان عبر المفاوضات الروسية - التركية.

وهذا دليل على نفوذ انقرة المباشر لدى القوى المهاجمة مهما تنوّعت أهدافها وأيديولوجيتها.

ومن الطبيعي أن تتمهل تركيا في اتخاذ أي قرار يلزمها في المفاوضات، لأن الميدان هو المقرِّر النهائي. فإذا تكسّر خط الهجوم ورأسه على أسوار حمص، تتقبل تركيا المفاوضات على أساس أن التقسيم حاصل، إذا تدخلت روسيا بقواتها الجوية لمصلحة الجيش السوري، في حال صمد في مكانه.

كما يَعتمد ذلك على ما إذا كانت إيران وحلفاؤها سيقفون في وجه القوات المندفعة ويمنعون سقوط حمص المدينة بقوات أرضية قادرة على الصمود.

فعندها، وإذا قاتَلَ الجيش السوري ولم يغادر مراكز القتال لديه، تستطيع دمشق الصمود لتفكر بالخطوة المستقبلية وحفْظ خطوط التماس الجديدة، هذا إذا لم يتحرك الجنوب، لمصلحة القوات المتقدمة من حماه، مندفعاً نحو دمشق لفتْح جبهة أخرى إلهائية خلْف القوات السورية.

ولكن المنطقة التي تُعتبر خارج نطاق المعركة وتحاول تحسين موقعها هي منطقة الشمال - الشرقي التي تسيطر عليها القوات الأميركية ومعها القوات الكردية. فقد خسرت هذه القوات موقعها داخل حلب ولكنها أمّنت لنفسها دولة «روج آفا» المصغّرة. وتقدمت عشائر تابعة للقيادة الكردية في محافظة ديرالزور لتحسين موقعها وأخْذ بعض القرى ما دامت قوات الجيش في حال ضعف وانكسار.

وهذا يعني أن عملية التقسيم قد وقعت، لأن حلفاء دمشق لن يخسروا آلاف المقاتلين لاستعادة مدن حلب وحماة التي خسرتها الحكومة السورية في أيام لتُستعاد بأشهر أو سنوات من دون حلول مستقبلية تلوح في الأفق لحلٍّ سلمي بين القوات المهاجمة والسلطة الحالية.

وهذا يبدو سابقاً لأوانه لأن الكلمة اليوم هي للميدان - وتَقَدُّم القوات المهاجمة - لتُبنى السياسة على أساسه وليس لعمليةٍ مضادة تبدو بعيدة التحقيق.

فروسيا وإيران والعراق لن تستطيع التدخل لتغيير الخريطة مجدداً بينما المنطقة تمرّ في مخاضٍ جديد وشرق أوسط منهَك بحرب إستمرتْ - ولم تنته بعد - 14 شهراً في غزة ولبنان وإستنزَفت قوات المقاومة التي وجدت نفسها تلتحق بحرب غزة وهي غير جاهزة لذلك ولم ترَ ما يخبئ لها المستقبل على جبهات أخرى.

وما يحصل اليوم في سورية هو تداعيات السابع من أكتوبر 2023، ونتائجه المدمّرة على حلفاء غزة، وأطراف الحلفاء مثل سورية التي حاولتْ البقاء على الحياد ولم يخدمها هذا الموقف ولم يحمِها من خططٍ رُسمت لها وتلاقت مع مصالح عدّة إقليمية ودولية، ولم تصبّ في مصلحة روسيا وإيران بسبب التوقيت الذي إختارتْه تركيا لتنفيذ خطتها.

فما خدم أنقرة مباشرة يصبّ في مصلحة أميركا التي تنظر بإرتياح لتقسيم سورية حتى ولو على أيدي «هيئة تحرير الشام» - وهي واحدة من نحو 17 فصيلاً يشارك في الهجوم - التي تعتبرها «منظمة إرهابية».

ويَخدم ايضاً إسرائيل التي تنظر بسرور إلى الصعوبة التي تنتظر «حزب الله» وخطّه اللوجستي التسلّحي الذي أصبح في خطر، وإذا سقط يصبح الحزب في وضعٍ مثل «حماس» حيث تُغلق المعابر لمنع التسليح عنه.

أما روسيا، فعليها فعل ما تستطيع لوقف التقدم أو الإستعداد للرحيل لأن اتفاق بقائها في القاعدة البحرية في طرطوس مرتبط بتوقيع من الرئيس بشار الأسد. وهي مستعدة للدفاع عن حمص واللاذقية إذا صمدت القوات الأرضية في حمص.

إذاً تبقى الكلمة للميدان السوري الذي سيحدد إذا كانت سورية ستقسم لتصبح «كردستان وسنستان وأسدستان»، أم تنهار خطوط الدفاع في حمص لتُفتح الطريق نحو دمشق... والأيام والأسابيع المقبلة سترسم خريطة بلاد الشام المستقبلية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي