محاولات أميركية وفرنسية مستمرة لـ «تصفيح» وقف النار وجلسة للحكومة السبت في صور
الرئيس اللبناني الجديد قبل تنصيب ترامب أم... بعده؟
... وَقْفُ النار «ممسوكٌ» حتى الساعة وإن كان «غير مُتماسِك». هكذا يبدو الواقعُ في لبنان الذي بات في وضعيةِ انتظارٍ حساسٍ لبدء عمل لجنة المراقبة والإشراف على تطبيق اتفاق 26 نوفمبر والذي ما زال موعدُه يراوح بين ساعاتٍ وأيام، وسط مؤشراتٍ إلى أنّ كلّ المساعي الخارجية والاتصالات الدولية مع إسرائيل تركّز على الحفاظ على «ستاتيكو» الاهتزاز المنضبط ريثما تكون «الخُماسية» التي تقودها الولايات المتحدة انطلقت في مَهمتها علّه يتم ضبْط الإطار التنفيذي وتتوحّد «التفسيرات» لمندرجات الاتفاق و«أهدافه النهائية» التي تَظْهَر معها بيروت وتل أبيب وكأن كلاً منهما «تقرأ في كتاب» مختلف.
وفيما كان لبنان، كما نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري يَعتبر أن هذا الاتفاق أُنجز من أجل أن يبقى وينجح، أكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن أن «وقف النار في لبنان صامِد رغم الحوادث التي وقعت أخيراً»، لافتاً إلى أن «آلية المراقبة تعمل كما كان مخطَّطاً، ونستخدم الآلية التي وُضعت عندما يتم الإعراب عن مخاوف في شأن انتهاكات».
وشكّل التقاطعُ الأميركي - اللبناني على اعتبار أن وقف النار «محميّ» وأنه لا يزال بمثابة «بوليصة التأمين» الوحيدة لعدم عودة الحرب وبنسخةٍ أكثر تَوَحُّشاً، انعكاساً للمخاوف التي تصاعدت في الأيام الأخيرة في ضوء أمرين:
- تَعَمُّد إسرائيل إرساءَ «قواعد اشتباك» تَحْكم فترة الـ60 يوماً التي نصّ عليها الاتفاق - لانتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني وإبعاد «حزب الله» إلى شمال النهر وانسحاب إسرائيل من البلدات اللبنانية التي تحتلها – وما بعدها وتقوم على تفعيل «حرية الحركة والتصرف» حيثما وكلّما بَرَزَ «تهديد وشيك» وبما يترجم ما تعتبره «مكتسبات» حقّقها لها الميدان وخصوصاً على امتداد 65 يوماً بدءاً من 17 سبتمبر.
- وحرص «حزب الله» في المقابل على تأكيد «نحن هنا الآن وغداً» من خلال رَبْطِ نفسه ببند «الدفاع عن نفسه» الذي تضمّنه الاتفاق، وهو ما عبّر عنه ردّه «الدفاعي الأولي» على عشرات الخروق الإسرائيلية بقذيفتين في مزارع شبعا المحتلة، وتوجيه رسالة تالياً برسْم كل مَن يعتبر أن هذا الاتفاق هو بمثابة «توقيع نهاية» الحزب عسكرياً، ولو بعد حين.
وفي الوقت الذي عَقَدَ مجلس الأمن الدولي مساء أمس جلسةَ إحاطة في مشاوراتٍ مغلقة في شأن لبنان بطلب من باريس وواشنطن اللتين تعتبران «عرّابتيْ» اتفاق 26 نوفمبر وتشاركان في لجنة الرقابة على تنفيذه (فرنسا كعضو والولايات المتحدة كرئيسة عبر ضابط أميركي والموفد آموس هوكشتاين إلى جانب ضباط من الجيشين اللبناني والإسرائيلي واليونيفيل)، كانت العاصمة الأميركية تشهد اتصالات يُجْريها وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع مسؤولين كبار وبينهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان تمحورت حول أكثر من ملف بينها وقف النار في «بلاد الأرز».
ولم يَعُدْ خافياً أن إدارة جو بايدن تخشى اندفاعةً نارية من تل أبيب قد تَتسبب بانهيار الاتفاق خصوصاً أن بنيامين نتنياهو لم يترك مجالاً للشك في أن أي دخول مجدداً لـ«حزب الله» على خط الضغط على الزناد سيَعْني ضرب عمق بيروت، في ما بدا محاولةً لمنْع الحزب من حَجْزِ موقعٍ لنفسه في مرحلة ما بعد الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ فجر 27 نوفمبر، و«تثبيت» مفهوم إسرائيل لمندرجاته باعتباره يشتمل على إنهاء وضعية الحزب العسكرية «بدءاً من جنوب الليطاني» إلى كل لبنان، وأنها تملك «تفويضاً» أميركياً (بموجب كتاب الضمانات السري الملحق بالاتفاق) بإزالة أي تهديد وشيك «بيدها» أو انتهاكٍ للاتفاق (إدخال أسلحة عبر سورية أو نقلها داخل لبنان) ما لم تعالجه اللجنة الخماسية.
وفي حين نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه «سيكون ردّ إسرائيل أشدّ قسوة في أي خروق لاحقة من حزب الله وبعدها سيكون الرد دراماتيكيا» وأنه «بقرار مدروس قررنا عدم القصف في بيروت هذه المرة رداً على انتهاكات حزب الله»، لم يكن عابراً أن يُلاقي مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس تفسير تل أبيب لاتفاق وقف النار «الشامل للغاية والذي يغطي كل النقاط الضرورية»، مبدداً «سوء الفهم الذي كان في البداية، خصوصاً في لبنان، حيث اعتقد البعض أن الوثيقة تتعلّق فقط بالمنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، لكن هذا غير صحيح. فالاتفاق يشمل البلد بأكمله، ويتناول مسألة نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة، سواء الميليشيات أو الجماعات شبه العسكرية».
وقال بولس لمجلة «Le Point» الفرنسية: «النص واضح جداً في تطبيق قرارات الأمم المتحدة، سواء القرار 1701 أو 1559. وبموجب هذه القرارات، يُسمح فقط لمؤسسات محددة بحيازة السلاح في لبنان، وهي الجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، والجمارك، وشرطة البلدية»، لافتاً إلى أن «التقديرات تشير إلى أن نحو 70 في المئة من الأسلحة الإستراتيجية ومخازن الصواريخ والطائرات المُسيّرة تم تدميرها خلال هذه الحرب. أما ما تبقى، فمن المفترض أن تكون مسؤولية الدولة اللبنانية، وتحديداً الجيش اللبناني، لنزع سلاح الميليشيات والجماعات شبه العسكرية. ونعلم أن هذا لن يحدث بين ليلة وضحاها، وأنه سيستغرق أشهراً، وربما أكثر. وبموجب النص، فإن الجيش اللبناني مسؤول أيضاً عن مراقبة تدفق الأسلحة من الحدود السورية، ومطار بيروت، ومرفأ العاصمة».
وإذ أكد «نحن الآن في فترة اختبار تمتد لـ60 يوماً، والنص نفسه يتحدث عن حق كل طرف في الدفاع عن نفسه»، معتبراً «أن أحد أهم عناصر الاتفاق هو اللجنة المكلفة بمراقبة تطبيقه»، برز رهانٌ لبناني موازٍ على عمل هذه اللجنة عبّر عنه نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب بعد زيارته بري، حيث لفت إلى «أن ما سمعته من دولة الرئيس أنه في الأيام القليلة المقبلة سينطلق عمل لجنة المراقبة ومع انطلاق عملها ستنضبط الأمور بشكل أفضل (...) وأعتقد إن شاء الله في الأيام المقبلة ستتغير هذه المعطيات واللجنة تصبح فعالة وتنعدم الخروق والاعتداءات على اللبنانيين».
واشار إلى «أن الأعمال العدائية والخروق التي يقوم بها العدو الإسرائيلي بشكل فاضح للاتفاق تبيّن كذبه حيث يدّعي أنه يقوم بها مدافعاً عن نفسه، علماً بأن الاتفاق لا يسمح له بما يقوم به وهو يحاول تبرير نفسه أمام المجتمع الدولي تحت ذريعة الدفاع عن نفسه، إنما في الحقيقة هي أعمال عدائية وخرق للاتفاق».
وفي موازاة اعتبار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنه جرى في اليومين الأخيرين وفي ضوء الاتصالات مع واشنطن وباريس «تثبيت أكيد لوقف النار، ونأمل أن يتحول إلى استقرار دائم، رغم أننا نتخوف ونحذر من خروق تعيدنا إلى أجواء القلق»، وسط الدعوة جلسة لمجلس الوزراء صباح السبت في ثكنة بنوا بركات في صور، استوقف أوساطاً سياسية حرص مسعد بولس للمرة الثانية خلال أيام على الدعوة إلى ما يشبه «التريث» في ملاقاة جلسة الانتخاب الرئاسية التي دعا اليها بري في 9 يناير ويَجري إيحاء بأنه يُراد أن تكون الأخيرة في الجلسات المتسلسلة وكان آخِرها في يونيو 2023 قبل أن يعتكف رئيس البرلمان عن دعوة مجلس النواب لإنهاء الشغور المتمادي منذ 1 نوفمبر 2022 ويشترط فريق «الممانعة» حواراً مسبقاً كممرّ إلزامي لفتْح المجلس.
وقال بولس: «في 9 يناير سيكون مرّ عامان وشهران على شغور منصب الرئاسة. وفي رأيي، يمكن للبنانيين الانتظار شهرين أو ثلاثة إضافييْن لإنجاز الأمور بشكل صحيح وفي إطار اتفاقٍ شامل. ويجب عدم التسرع لانتخاب أي شخص بشكل عشوائي وعدم الاكتفاء بانتخاب رئيس بأغلبية 65 صوتًا فقط»، موضحاً أنه يقصد «اتفاقاً يتضمن جميع الإصلاحات الضرورية لإعادة بناء لبنان ومؤسساته، سواء القضائية أو الأمنية، واحترام الديمقراطية والدستور اللبناني، وتطبيق الاتفاق المتعلق بوقف النار. كما يجب تحديد رؤية واضحة في شأن تشكيل الحكومة، ومعرفة مَن سيرأسها، وما الأحزاب التي ستكون ممثلة فيها، وما برنامجها لإعادة الهيكلة، خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والمالي. وأخيراً، يجب ضمان تمثيل المعارضة، التي تشكل اليوم نحو نصف البرلمان، بشكل جيد».
وفي المقلب الآخر أكد بوصعب من عين التينة «أن جلسة 9 يناير قائمة في تاريخها وهي ستستمر إلى حين تصاعد الدخان الأبيض ويُنتخب رئيس الجمهورية، وما زلنا في مرحلة التباحث حول اسم يَتوافق عليه الجميع ويحظى بـ86 صوتاً وهو يكون عنواناً للتوافق وليس رئيس تحدٍّ يُفرض بطريقة أو بأخرى».
وبين سطور كلام مسعد وإيحاء بري بأن جلسة 9 يناير ستكون للانتخاب، يرتسم، وفق أوساط سياسية، مزاج لدى إدارة ترامب يتمحور حول تفادي «حرْق المراحل» من خصوم «حزب الله» وعدم ملاقاة «الممانعة» في التوقيت الذي اختارتْه هي للإفراج عن استحقاقٍ استرهنتْه لأكثر من عامين لأجندتها وذلك في محاولةٍ منها للوصول إلى رئيسٍ بتوازنات المرحلة الحالية، التي يعتبر حزب الله أنه ما زال قادراً فيها على التأثير في مجريات المسار السياسي، وتالياً استباق انطلاق مرحلة تقويض «تمكينه السياسي» ما أن يدخل ترامب البيت الأبيض.
وفي رأي هذه الأوساط أن لا حاجة لخصوم «حزب الله» لتكرار تجربة 2016 حين «شاركوا» في استباق فوز ترامب بإيصال العماد ميشال عون (دعم الحزب حينها ترشيحه وعطّل الاستحقاق 30 شهراً لإيصاله) إلى قصر بعبدا، وذلك عبر إتاحة الفرصة لـ«الممانعة» لإنهاء الشغور الحالي قبيل عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير وهو ما لن يكون متاحاً إلا بحال كانت لهذا الفريق حصة في الرئيس و«كعكة» الحُكم في ولايته، متوقفة «أيضاً عند أن انتخاب عون حصل غداة سقوط حلب في حين أن تاريخ 9 يناير سيكون على وهج استعادتها».