بعد فوضى الأحكام العرفية

ضغوط متزايدة على رئيس كوريا الجنوبية للتنحي

تصغير
تكبير
سيول - أ ف ب - يواجه الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ضغوطاً شعبية وسياسية متزايدة للتنحي عن منصبه، غداة الفوضى السياسية التي أثارها إعلانه المفاجئ بفرض الأحكام العرفية، وتراجعه عنه بعد ساعات إثر تصويت للجمعية الوطنية.
ونزل متظاهرون الى الشارع مساء الأربعاء، بالتوقيت المحلي، مطالبين بتنحي الرئيس أو عزله، وتوجهوا نحو القصر الجمهوري.
وتحرك الآلاف نحو مقر الرئيس بعد تحرك أقيم في إحدى ساحات وسط سيول، بينما كان يقام تجمع أخر دعت إليه أحزاب المعارضة قرب البرلمان.
وأتت التحركات بعد ساعات من إعلان أحزاب المعارضة أنها تقدمت بمذكرة لعزل الرئيس الذي يتولى منصبه منذ العام 2022، وشهدت شعبيته تراجعاً حاداً في الآونة الأخيرة.
وقال ممثلون لستة أحزاب يتقدمها الحزب الديمقراطي، وهو أبرز أحزاب المعارضة، «لقد تقدمنا بطلب عزل تمّ تحضيره على عجل»، مشيرين الى أنهم سيدرسون موعد طرحه على التصويت، الا أن ذلك قد يحصل الجمعة.
ودخلت سيول في أزمة سياسية حادة بعد الإعلان المفاجئ ليون ليل الثلاثاء، فرض الأحكام العرفية، في خطوة لم تشهدها البلاد منذ أكثر من 40 عاماً.
الا أن الرئيس رضخ بعد ساعات فقط لتصويت الجمعية الوطنية على رفع الأحكام.
ويتطلب إقرار المذكرة حصولها على ثلثي عدد الأصوات في الجمعية الوطنية المؤلفة من 300 مقعد وتهيمن عليها المعارضة.
وتحتاج المعارضة الى عدد قليل من الأصوات الإضافية لإقرار مذكرة عزل الرئيس.
كما يعتزم الحزب الديمقراطي المعارض مقاضاة الرئيس وعدد من وزرائه وكبار قادة الشرطة والجيش بتهمة «التمرد» التي قد تصل عقوبتها الى السجن مدى الحياة أو حتى الاعدام.
ولم يسلم الرئيس من الانتقادات في أوساط مناصريه حتى، اذ قدّم عدد من كبار معاونيه «استقالتهم بشكل جماعي»، بحسب «وكالة يونهاب للأنباء».
كما عرض وزير الدفاع الاستقالة، مؤكداً أنه يتحمل «المسؤولية الكاملة عن الارتباك والقلق» بشأن قانون الأحكام العرفية.
واعتبر زعيم الحزب الحاكم، قرار الرئيس «مأسوياً»، داعيا إلى «محاسبة كلّ المسؤولين» عن هذه المحاولة الفاشلة.
ودعا أكبر اتحاد عمالي الى «إضراب عام مفتوح» لحين استقالة الرئيس الذي يشغل المنصب منذ العام 2022.
«نهاية مسيرته السياسية»
وكان يون سوك يول أعلن فرض الأحكام العرفية في خطاب مفاجئ ليل الثلاثاء - الاربعاء، في خطوة لقيت تنديد المعارضة وأثارت قلقاً دولياً خصوصا لدى حليفته واشنطن.
وعلّل الرئيس الخطوة بتهديدات من كوريا الشمالية و«قوى مناهضة للدولة» في إشارة ضمنية للمعارضة.
وأتت الخطوة في خضم أزمة بين الرئيس والمعارضة على خلفية قانون الميزانية.
وقال أستاذ علم الاجتماع في جامعة ستانفورد غي-ووك شين لـ «فرانس برس»، إن خطوة الرئيس «محاولة أخيرة مفاجئة... للامساك بالسلطة»، لكن «لن ينتج عنها سوى تسريع نهاية مسيرته السياسية لأنها ستؤدي على الأرجح الى عزله».
وأغلق مبنى البرلمان بعد فرض الأحكام العرفية، ونقلت مروحيات جنوداً الى حرمه.
وتولى قائد الجيش الجنرال بارك آن-سو مسؤولية تنفيذ قانون الأحكام العرفية، وأصدر مرسوماً بحظر «كل النشاطات السياسية». الا أن 190 نائباً تمكنوا من دخول مبنى الجمعية الوطنية وصوّتوا لصالح رفع الأحكام العرفية.
ورضخ الرئيس سريعاً لهذا الطلب، علما أن الدستور يوجب رفع الأحكام العرفية في حال طلب غالبية برلمانية هذا الأمر.
«جريمة خطرة»
لم يظهر يون بشكل علني منذ خطاب رفع الأحكام العرفية الذي قال فيه «قبل قليل، كان هناك طلب من الجمعية الوطنية برفع حال الطوارئ، قمنا بسحب الجيش الذي نشر لتطبيق عمليات الأحكام العرفية. سنقبل طلب الجمعية الوطنية ونرفع الأحكام العرفية». وقوبل هذا الإعلان بفرحة في أوساط متظاهرين نزلوا الى الشوارع احتجاجاً على فرض الأحكام العرفية، خصوصا عند البرلمان.
ورغم تراجع الرئيس، شدد متظاهرون على ضرورة أن يتنحى عن منصبه.
وقال المتظاهر ليم ميونغ-بان (55 عاماً) إن «خطوة يون بفرض الأحكام العرفية من دون سبب مشروع، هو جريمة خطرة بذاتها»، مضيفاً «لقد مهّد بذلك بنفسه الطريق نحو عزله».
ودخل جنود ملثمون إلى البرلمان لفترة وجيزة، بينما تواجه المئات خارجه مع قوات الأمن المكلفة حماية المبنى وهم يهتفون «أوقفوا يون سوك يول».
وكان الرئيس شدد على أن إعلان الأحكام العرفية كان «لا مفر منه لضمان استمرارية كوريا الجنوبية الليبرالية»، مؤكداً أن هذه الخطوة لن تؤثر على السياسة الخارجية.
وأعربت غالبية الأطراف الدولية عن قلقها من هذه الخطوة، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة. أما الصين التي دعت رعاياها الى الحيطة والحذر، فأكدت أنها لن تعلّق على «الشؤون الداخلية» لسيول.
وأتت الأزمة في وقت تتباين المواقف بشأن ميزانية 2025 بين يون وحزبه قوة الشعب من جهة، والحزب الديمقراطي المعارض من جهة.
وأقر نواب المعارضة في لجنة نيابية الأسبوع الماضي، مقترح ميزانية مخفّضة بشكل كبير. واقتطعت المعارضة نحو 4,1 تريليونات وون (2,8 مليار دولار) من الميزانية التي اقترحها رئيس الجمهورية، وخفّضت صندوق الاحتياط الحكومي وميزانيات النشاطات لمكتب الرئيس والادعاء والشرطة ووكالة التدقيق التابعة للدولة.
واتهم يون، وهو مدعٍ عام سابق، نواب المعارضة باقتطاع «كل الميزانيات الضرورية لوظائف الدولة الأساسية، مثل مكافحة جرائم المخدرات والحفاظ على السلامة العامة» وبالتالي «تحويل البلاد الى ملاذ آمن للمخدرات وحال من الفوضى في السلامة العامة».
وأتى فرض الأحكام العرفية بعدما تراجعت شعبية يون الى 19 في المئة فقط في أحدث استطلاع لمعهد غالوب الأسبوع الماضي، مع إبداء كثيرين عدم رضاهم على إدارته للاقتصاد والجدل المحيط بزوجته كيم كيون هي.
ليلة من الفوضى في البرلمان

مع محاولة الجنود دخول مبنى البرلمان ليل الثلاثاء، لتنفيذ قرار رئيس الجمهورية فرض الأحكام العرفية، استخدم الموظفون في الجمعية الوطنية كل الوسائل المتاحة لمنعهم من ذلك، والإبقاء على هذه المؤسسة في منأى عن الفوضى السياسية التي سادت لساعات.

بعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية ليل الثلاثاء، وهي المرة الأولى في البلاد منذ أكثر من 40 عاماً، أنزلت مروحيات قوات مدججة بالسلاح في حرم البرلمان، وفق ما أظهرت مشاهد بثت أمس، التقطتها كاميرات المراقبة.

تزامناً مع ذلك، تسلّق جنود آخرون أسوار المبنى بعد منتصف الليل، وفق ما أفاد كيم مين-كي، سكرتير البرلمان خلال مؤتمر صحافي. وبعدها، حطّموا نوافذ سعياً لدخول المبنى، في ما وصفه باقتحام «غير دستوري وغير قانوني».

وتابع «سنقوّم الأضرار والخسائر المادية الناجمة عن إعلان الأحكام العرفية وسنحاسب المسؤولين عنها قضائياً».

واقتحم نحو 280 جندياً مبنى البرلمان، بحسب كيم، لكنهم واجهوا مقاومة من الموظفين الذين استخدموا كل ما طالت أيديهم لتحصين المداخل ومنع قوات الأمن من الدخول.

وأظهرت صور عشرات الجنود وهم يحاولون دخول المبنى، قبل أن يتم صدهم.

وقال كيم إن الجنود «أغلقوا الجمعية الوطنية بشكل غير قانوني بعد إعلان الأحكام العرفية، منتهكين الدستور والقانون من خلال منع النواب من دخول المجلس».

«خشيت على حياتي»

في مشهد غير اعتيادي، واجهت آن غوي-ريونغ، وهي ناطقة باسم الحزب الديمقراطي المعارض، جندياً وحاولت الاستيلاء على بندقيته.

استمرت المواجهة أكثر من عشر ثوان، وبعدما تخلّت عن مساعيها، وجّه الجندي سلاحه نحوها. لكن مذيعة الأخبار السابقة صاحت في وجهه «ألا تشعر بالخجل»؟

وأوضحت لـ «فرانس برس»، أمس، «لم يكن لدي خيار سوى منعهم من دخول المبنى الرئيسي لأنه تم التصديق (في البرلمان) على رفع الأحكام العرفية».

وبحسب الدستور، إذا طلب البرلمان رفع الأحكام العرفية، فيجب على الرئيس الامتثال لذلك. وقدّم بعض الخبراء فرضية أن الجنود أُرسلوا لمحاولة إفشال التصويت.

وقالت آن عن المواجهة مع الجندي «خشيت على حياتي».

وفيما حاول الجنود دخول المبنى عبر تحطيم نوافذه وتسلق واجهاته، أوصدت الشرطة أبواب المجلس ومنعت حتى النواب من الدخول.

وقال النائب المعارض شين تشانغ-سيك إن «بعض النواب اضطروا لتسلق السياج من أجل الدخول والتصويت على القرار».

«عودوا أدراجكم، أوغاد!»

بمجرد تجاوز الجنود أسوار البرلمان، وجدوا أن أبوابه محصنة بأكوام من الأثاث التي وضعها الموظفون، وفق ما أظهرت صور كاميرات المراقبة.

وأمكن أيضاً رؤية الجنود وهم يندفعون إلى الباب المحصن وأسلحتهم موجّهة نحو موظفي البرلمان العزل الذين واصلوا تكديس كراسي ومكاتب في طريقهم.

وصاح أحد الموظفين «عودوا أدراجكم، أوغاد!»، فيما ألقى آخر طفاية حريق على الجنود.

لم يبدِ الجنود التراجع إلا بعد اعتماد القرار الذي يدعو إلى رفع الأحكام العرفية، قرابة الساعة 01,00 بالتوقيت المحلي (16,00 ت غ).

بحلول الساعة الثانية صباحاً، كانوا قد انسحبوا بالكامل، تاركين وراءهم نوافذ مكسرة وأثاثاً محطماً، إلا أن رصاصة واحدة لم تطلق.

وقال كيم مين-هو (50 عاماً) خلال تظاهرة أمام البرلمان أمس «كنت غاضباً للغاية لدرجة أنني لم أستطع النوم».

بدوره، أكد بارك سو-هيونغ (39 عاماً) «جئت لأنني أخشى أن تنتهك ديمقراطيتنا إذا أبقينا يون في السلطة للحظة أخرى».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي