ما الهدف من الهجوم على حلب وأرياف إدلب وحماه... وإلى أين تتجه المعركة؟
- طهران ستدرس قرار إرسال قوات إذا طلبت دمشق ذلك
لا يُمكن شرح ما يحدث في سورية من منظورِ حَدَثٍ منفرد. بل تتعدّد العوامل والأسباب وتتلاقى المصلحة بين الدول التي تنسّق في ما بينها، أو في بعض الأحيان لا تحتاج لذلك ما دامت الظروف الجيو - سياسية مهيأة.
وما حصل من السيطرة على أرياف إدلب ومدينة حلب وأريافها، وبلوغ القوات المهاجمة - العقائدية المنظّمة والقادمة بمقاربة مختلفة أكثر انفتاحاً تجاه القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها - أعتاب مدينة حماة، ربما لا يهدف إلى إسقاط الدولة السورية التي وضعت ثِقْلَها في المدينة وحوْلها لوقف الهجوم، بل لفرْض خط تماس جديد وتحسين شروط تركيا التفاوضية من موقع أقوى وإجبار كل الأطراف المعنية على التنازل حول طاولة المفاوضات لتحديد سقوف الحرب والسلام ومحاولة تغيير الواقع الحالي المسدود.
في كل الحروب المخطَّط لها، منها ما يسير بحسب تفاصيل مُعَدّة سابقاً، وأخرى يجب تحديثها بحسب مسار الهجوم والفرص الناتجة عنه. فإذا انهارتْ الجبهةُ أكثر، من المتوقَّع أن تندفعَ القواتُ المهاجمة لتحتلّ مواقع متقدمة.
وتالياً، فإن سقوط مدينة حلب، يقع ضمن خطة الهجوم الأساسية التي نفّذتها هذه الفصائل ضد الجيش السوري من دون أن يُحسب حساب الانهيار السريع الذي حصل.
لكن سيطرة القوات المهاجمة على تل رفعت ومناطق الشيخ مقصود وبستان الباشا في حلب، والتي كانت القوات المسلحة الكردية تسيطر عليها، تدلّ على عدم وجود غطاء لبقاء القوات الوكيلة للقوات الأميركية الموجودة في الشمال الشرقي السوري، وان تقسيم سورية ربما يُراد فرْضُه واقعاً جديداً.
لكن من الصعب أن ترضخ دمشق للأمر الواقع بسرعة وتتجه نحو مفاوضات جدية وهي في موقع أضعف من قبل، بل عليها أن تتقبّل الواقع الحالي أولاً.
وسارعتْ قوات دمشق ومعها حلفاؤها لإنشاء خط دفاع أول في مدينة حماة، وخط دفاع متقدم في جبل زين العابدين ضمن منطقة محافظة حماة، وكذلك أمام المدينة التي يقطنها نحو مليون نسمة.
وتُشكّل حماة نحو تسعة آلاف كيلومتر مربع مع الأرياف الملاصقة لأرياف إدلب وحلب شمالاً والرقة ودير الزور شرقاً وطرطوس واللاذقية غرباً وحمص جنوباً.
ولا تحتاج القوات المهاجمة إلى دخول حماة، لأن السيطرة على حلب وإدلب وأريافها، كافٍ لفرض واقع جديد وإقناع جميع الأفرقاء بأن أي طَرَفٍ لن يستطيع إلغاء الآخَر، خصوصاً بعد رفْض الرئيس بشار الأسد تقديم أي تنازلات إضافية.
إضافة إلى ذلك، فإن انعدامَ الثقة بين تركيا وحلفائها، وبين روسيا وحلفائها، أدى في الأعوام الماضية إلى خرْق منطقة «خفض التصعيد» المُتَّفَق عليها في أستانا بعد عدم التزام أنقرة وتنفيذها فتح الطريق الدولي M5 بين حلب ودمشق والـ M4 بين حلب واللاذقية.
أما اليوم، فقد خرقت تركيا، الخرق السوري السابق، بتقدُّم القوات في ريف حلب وريف إدلب واستعادة القوات الموالية لها الأرياف ومدينة حلب وتقدمها في ريف حماة إلى نقاط قريبة نسبياً من المدينة وخطوط الدفاع لديها.
لا يمكن وضع التحوّل العسكري في حلب في خانةِ محاولة منْع إيران من إمداد «حزب الله» بالسلاح، لأن طهران لم توقف يوماً إمدادَ حليفها في لبنان طوال الحرب السورية منذ عام 2011 حين وصلتْ القوات المُهاجِمة بقيادةِ «جبهة النصرة» سابقاً، إلى محيط دمشق، إلا إذا سقطتْ الدولةُ بأكملها ومعها الأسد.
كما أعلن وزير خارجيتها عباس عراقجي، أنه «إذا طلبت الحكومة السورية من إيران إرسال قوات فسندرس الطلب».
في الوقت عينه، لا يمكن استبعاد سرور إسرائيل وأميركا من إمكان أن تستطيع القوات المتقدمة - بإغلاق طريق خناصر - فرْضَ طريقٍ أطول أمام الشاحنات المتّجهة إلى لبنان والتي تعمل إسرائيل على ضرْبها حين تعلم بوجودها ووُجْهتها.
ولا يمكن التغاضي عن حاجةِ تركيا إلى الدفْع نحو عودة ملايين النازحين على أرضها إلى سورية.
إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يمكنه التخلّي عنهم من دون بدائل، وتحميلهم لإدارة إدلب فقط وحشْر الملايين في منطقة واحدة لا تملك مقومات الخدمات لهذه الأعداد من النازحين إذا عادوا.
ولا يمكن لإسطنبول التخلّي عن الميليشيات التابعة لها والتي تقدّم لها موقعاً جيو - سياسياً ومنطقةَ نفوذٍ في بلاد الشمال، أمام روسيا وإيران. لذلك فإن سيطرة هذه الميليشيات على أكثر من 7700 كيلومتر مربع يسمح بإيواء الملايين من دون إحداث أي خلل لتركيا وموقعها.
إذاً، فإن الوضعَ الحالي المستجد من جهةٍ يتصادم مع، ومن جهة أخرى يصبّ في مصلحة العديد من اللاعبين، خصوصاً ان حلفاء سورية لديهم ما يشغلهم، من دون أن يعني ذلك أن «حزب الله»، لا يملك القوة اللازمة لحماية طريق إمداده والحفاظ على دمشق.
وحتى إيران - التي تريد البناء على سياسةٍ تتلاءم ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض - لا تستطيع التخلّي عن حليفها السوري لأن البديل الجديد سيفقدها حليفين، في سورية ولبنان، إذا أُغلقت طرق الدعم لـ «حزب الله»، وتخسر منطقة نفوذ مهمة في الشرق الأوسط.
كذلك روسيا التي تَخشى خسارة النافذة الوحيدة التي تملكها على المياه الدافئة في المتوسط إذا أُخرجت من قاعدتها البحرية في طرطوس وكذلك مطارها في حميميم.
وهذا لا يعني أن حلفاء سورية سيتخلون عنها، بل سيدافعون عن دمشق وحمص وحماة، ولكن من الممكن ألا تكون لهؤلاء شهية للذهاب الآني نحو استعادة حلب وأريافها. بل من المتوقّع أن يدفع هؤلاء الأسد نحو إسطنبول للجلوس على طاولة المفاوضات بانفتاحٍ أكبر ما دامت تركيا أثبتت أنها تملك أوراقاً لقلب الطاولة وأضحت في موضعٍ تَفاوضي أقوى من قبل.
لم تكن المجموعات المسلّحة لتتحرك من دون دعم مالي ضخم، أو تذهب إلى الحرب من دون غطاء تركي واضح. ويتجلّى ذلك في استقبال إسطنبول للوفود القادمة ودعوتها، باسم المجموعات المسلحة المتقدّمة، للجلوس إلى طاولة المفاوضات والعودة لاتفاق آستانا والبحث عن مخرج في ضوء التطورات المستجدة.
ولم تكن السيطرة على حلب لتحصل، لو اقتنع الأسد بلقاء أردوغان ودخل في مفاوضات جدية يخرج منها الجميع غير خاسر ومن دون غالب واضح.
ولم تكن الأحداث الأخيرة لتغيّر الواقع، لو كانت أميركا تعتقد أنها لا تصبّ في مصلحتها أو مصلحة إسرائيل. إذاً تعددت المصالح في وقت يُسمح لحلفاء دمشق بطرح واقع جديد على الأسد بدل العودة إلى الحرب والقتال وسقوط آلاف القتلى، وتوفير الميزانية الضخمة التي تحتاج إليها الحروب وكذلك ضخ الإمكانات الهائلة لذلك.
لكن المفاوضات لن تبدأ إلا حين يصطدم الطرفان عسكرياً على الأرض ويتحدد حجم قوة كل طرف وإمكاناته العسكرية التي تَفرض شكل التفاوض والشروط المتبادلة. وهذا يعني أن صوت الحرب لم ينته بعد في بلاد الشام التي يبدو أنها تتجه نحو التقسيم الطويل الأمد، عدا المفاجآت غير المتوقَّعة.