ظِلّ «حزب الله» على عمليات إسرائيل في غزة
يواجه الجيش الإسرائيلي مهمة موازنة معقدة في التعامل مع التحديات المتزامنة في غزة وعلى طول الحدود اللبنانية. وبينما تقترب الحملة العسكرية واسعة النطاق في القطاع من نهايتها، يظل الوضع في لبنان متقلباً.
ولم يخفف وقف الأعمال العدائية الأخير مع «حزب الله»، والذي اتسم باتفاق بين هش وغامض ومبهم، من الموقف العسكري الإسرائيلي في الشمال الذي يمنع اللبنانيين من العودة ويطلق النار عليهم... وكيف ستتشكل التحركات التالية لإسرائيل، بما في ذلك توزيع القوات، والأولويات العملياتية، والاعتبارات الجيوسياسية الأوسع التي تحرك إستراتيجيتها؟
الجبهة الشمالية: التوترات مستمرة
رغم وقف الأعمال العدائية، تظل القوات الإسرائيلية منتشرة بالكامل على طول الحدود اللبنانية. وتعكس حال التأهب القصوى التي يعيشها جيش الدفاع الإسرائيلي خوف احتمال تجدد الصراع مع «حزب الله»، حيث يختبر الجانبان حدود الاتفاق.
تالياً، فإن انتهاكات إسرائيل العرضية للاتفاق ـ مثل إطلاق صواريخ مضادة للطائرات على «تهديدات متصوّرة»، بما في ذلك إطلاق ضد طائر يعتقد خطأ أنه طائرة من دون طيار تابعة للحزب - تؤكد نيتها في إظهار قوتها أمام الجماهير المحلية التي تنتقد قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقراره بوقف الحرب.
لم يتم بعد تفعيل اللجنة المكونة من خمسة أعضاء (تضم الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل و«اليونيفيل»)، والتي تهدف إلى مراقبة وقف الأعمال العدائية، بشكل كامل بعد وبدء الانسحاب الإسرائيلي التدريجي.
وهذا التأخير يديم حالة عدم اليقين المحيطة بالاتفاق، ويبقي التوترات مرتفعة على طول الحدود، بينما يواجه نتنياهو انتقادات داخلية كبيرة لاختتامه لحرب من دون تحقيق نصر حاسم، كما وعد، ودون عودة سكان الشمال إلى منازلهم.
ونتيجة لهذا، يشير الوجود العسكري في الشمال إلى الاستعداد لمواجهة أي تجدد للأعمال العدائية والذي يبدو غير واقعي من ناحية «حزب الله» الذي يظهر ملتزماً.
في السياق، تتوزع فرق جيش الدفاع على النحو التالي:
- القيادة الشمالية: تتألف من الفرقتين 91 (تشكيل الجليل) و210 (تشكيل باشان)، وتشرف هذه القيادة على العمليات على طول الحدود مع لبنان وسورية وتبقى في مكانها في أيام السلم والحرب.
- القيادة الجنوبية: تركز على غزة وسيناء، وتضم الفرقتين 143 (تشكيل غزة) و252 (تشكيل سيناء).
- الفرق الاحتياطية والمتخصصة: تعمل وحدات مثل الفرقة 98 (المظليين) والفرقة 36 (تشكيل غاش) كاحتياطيات متحركة، وجاهزة لتعزيز أي جبهة أثناء التصعيد.
وتمتلك إسرائيل ثلاثة فرق أخرى احتياط تطلبها حين تستدعي الحاجة وفي حال الحرب.
جبهة غزة: انتقال في الإستراتيجية
في حين هدأت العمليات الإسرائيلية واسعة النطاق في غزة، يواصل جيش الاحتلال تنفيذ مهام مستهدفة تهدف إلى تفكيك البنية التحتية لحركة «حماس» وإمعان التدمير في شمال غزة لتهجير سكانها والتحضر لمستوطنات مستقبلية.
وقد تحول التركيز إلى استئصال المدنيين والمسلحين المتبقين، وتأمين المناطق الحضرية، وتنفيذ ضربات تدميرية من دون مراعات المنازل وما تبقى من المؤسسات. وتالياً، تراجعت حدة الهجمات الجوية والبرية، ما يشير إلى أن مستويات القوة الإسرائيلية المنتشرة حالياً كافية للحفاظ على السيطرة ما لم تظهر مقاومة غير متوقعة.
وقد خصّص جيش الاحتلال لغزة، ما يقرب من 150 - 200 مقاتلة «إف - 15 آي» (أدير) و«إف - 16»، بهدف تنفيذ ضربات دقيقة وكذلك طائرات استطلاع من دون طيار.
وبعد أشهر طويلة من الحرب، لم تعد إسرائيل تحتاج قوات كبيرة في غزة، ما يسمح لها بموازنة وجودها العسكري عبر جبهات متعددة.
موازنة الموارد بين لبنان وغزة
يسلّط قرار إسرائيل بالحفاظ على مستويات كبيرة من القوات على طول الحدود اللبنانية الضوء على نهجها الحذر، إذ إن إعادة نشر القوات إلى غزة من جديد بعد إنهاء حالة الجهوزية يخاطر بترك الحدود الشمالية عُرضة للخطر، خصوصاً أن «حزب الله» يحتفظ بقدرات كبيرة.
صمود الحزب وحسابات إسرائيل
أثبتت قدرة «حزب الله» على تحمل الضربات الصاروخية والطائرات من دون طيار طوال الصراع الذي استمر أكثر من 50 يوماً، مرونته وعمقه الإستراتيجي.
وأظهرت الغارات الجوية المركزة في لبنان، والتي دمرت عشرات الأهداف للحزب في غضون 120 ثانية، القدرات المتقدمة التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن التضاريس الوعرة في الجنوب وشبكات الحزب تحت الأرض الواسعة النطاق شكلت تحديات كبيرة، ما حد من فعالية الحملات الإسرائيلية.
وقد خصصت إسرائيل لحرب لبنان، نحو 80 - 100 مقاتلة، بما في ذلك «إف - 15 آي» (رعم) و«إف - 16».
الخلاصة
تواجه إسرائيل مهمة صعبة في التعامل مع التحديات المزدوجة في غزة ولبنان. فبينما تتواجد قوات الاحتلال منغمسة في عمليات مركزة في القطاع، فإن التهديد بتجدد الصراع مع الحزب يجعل القوات الشمالية في حال تأهب قصوى مستمرة.
ويعتمد مستقبل نتنياهو السياسي على الحفاظ على مظهر من مظاهر السيطرة مع معالجة الانتقادات المحلية والضغوط الدولية. وبما أن الجبهتين لا تزالان متقلبتين، يتعين على إسرائيل أن تدير مواردها العسكرية وإستراتيجياتها الدبلوماسية بعناية لتجنب الغرق في الأزمات المتزامنة.