الاستهلاك التفاخري بات أكثر من مجرد موضة
لماذا نشتري ما لا نحتاجه بأموال لا نملكها لإثارة إعجاب من لا نحبهم؟
- الاستهلاك التفاخري والرغبة باقتناء المنتجات الملفتة يتجاوزان حدود الموضة
- جاذبية منتجات الإشارة تعتمد على نوع وشدة عامل الضغط البيئي
يُقال أحياناً إن الناس تشتري منتجات لا تحتاج إليها حقاً، بأموال لا يملكونها حقاً، لإثارة إعجاب أشخاص لا يحبونهم حقاً. ويُعرف هذا السلوك بالاستهلاك التفاخري لأن هؤلاء المستهلكين يريدون من الآخرين أن يروهم مع المنتج.
ونشر الموقع الإلكتروني «Phys org» المتخصص بتجميع الأخبار العلمية والبحثية والتكنولوجية، ملخصاً عن دراسة بعنوان «الدوافع اللاواعية لسلوك المستهلك: دراسة لتأثير تفاعلات الطبيعة والتنشئة على الرغبة باقتناء منتج». وجاء فيه أن الدراسة التي قام الدكتور جيم سوافيلد من جامعة أثاباسكا والدكتور خيسوس سييرا جيمينيز من جامعة فانكوفر آيلاند، تدحض الافتراضات الشائعة أن الاستهلاك التفاخري لا يستند إلى أسباب عقلانية، بل مجرد نتيجة للتسويق والإعلان.
ويقول سوافيلد، الباحث الرئيسي في الدراسة: «رغبتنا في امتلاك وعرض هذه المنتجات تنبع من تفاعل معقد بين بيولوجيتنا والبيئة، فعندما نشاهد هذه المنتجات، فإننا نرسل في الأساس رسالة غير لفظية عن ثروتنا أو قوتنا أو مكانتنا الاجتماعية».
وفي دراستهما، تعمق سوافيلد وجيمينيز في العلاقة المعقدة بين بيئتنا ورغبتنا في الحصول على رموز المكانة الاجتماعية. واستكشفا كيف يُمكن للصعوبات المالية والاجتماعية والجسدية أن تغذي رغبتنا في الحصول على منتجات تفاخرية.
وأوضح سوافيلد، الخبير الرائد في علم النفس التطوري، أن الدماغ البشري تطور لإعطاء الأولوية للبقاء والتكاثر. ويتجلى هذا التكيف التطوري في قدرتنا الفطرية على إدراك التحولات الدقيقة في الظروف البيئية دون وعي، ما يُشير إلى تغييرات في مستويات التهديد.
وقال إن هذه التغيرات الدقيقة في البيئة يمكن أن تؤثر دون وعي على رغباتنا، ما يدفعنا إلى البحث عن المنتجات التي يمكن أن تعمل على تحسين فرصنا في البقاء على قيد الحياة، أو ترهيب المنافسين، أو جذب شريك.
من جانبها، قد تزيد المنتجات التي تعزّز المظهر وتضفي على الشخص ثراءً من جاذبيته للشركاء المحتملين. ولكن سوافيلد لاحظ أن الرغبة في الاستهلاك المفرط تتضاءل في البيئات القاسية حيث يتجنب الأفراد لفت الانتباه إلى أنفسهم.
وفي دراستهما، استكشف سوافيلد وسييرا جيمينيز ما إذا كانت أنواع مختلفة من الضغوط البيئية مثل العزلة الاجتماعية، والصعوبات المالية، والمخاوف في شأن السلامة الجسدية، لها تأثيرات مختلفة على الرغبة في الحصول على منتجات تفاخرية.
ولدراسة تأثير العوامل الوراثية والبيئية على الرغبة في شراء المنتجات، أجرى الباحثان تجربة عبر الإنترنت شملت 629 بالغت كنديا (ذكورا وإناثا). وتضمنت مرحلة الاختبار الأولي قيام المشاركات بتقييم رغبتهن في مجموعة من المنتجات التجميلية والدلالة على الثروة، بينما تم عرض صور لمنتجات تشير إلى الثروة والقوة على المشاركين الذكور، ثم قاموا بعد ذلك بتقييم مستوى رغبتهم في كل منتج.
بعد ذلك، تم توزيع المشاركين على 6 مجموعات تجريبية. وبمجرد توزيعهم على مجموعة، قرأ كل مشارك قصة من صفحة واحدة تثير مشاعر العيش في أحد الظروف البيئية التالية: الأمان الاجتماعي، أو القسوة الاجتماعية، أو الأمان المالي أو عدمه، أو الأمان الجسدي أو عدمه.
وبعد قراءة القصة المخصصة، طُلب من المشاركين إعادة تقييم المنتجات المقدمة في الاختبار الأولي. وكشفت النتائج أن جاذبية منتجات الإشارة تعتمد على نوع وشدة عامل الضغط البيئي.
وأوضح سوافيلد أن الدراسات السابقة ربطت بين قسوة البيئة المعتدلة وزيادة الرغبة في شراء منتجات تفاخرية. ومع ذلك، وكما هو موضح في هذه الدراسة، مع تفاقم الظروف المالية والجسدية، تقل الرغبة في شراء هذا النوع من المنتجات.
وقال إن الأمر المثير للاهتمام أيضاً أنه لم يكن هناك سوى تغيير طفيف في الرغبة في شراء منتجات تفاخرية، عندما تعرض المشاركون لظروف اجتماعية آمنة وظروف بيئية اجتماعية قاسية.
ويرى سوافيلد أن هذه النتائج تشير إلى الحاجة إلى تحوّل جذري في فهمنا لسلوك المستهلك. ويتعين علينا أن نتساءل عما إذا كان الاستهلاك التفاخري نتيجة لميول فطرية وعوامل بيئية، وليس مجرد الإعلان. وهذا يثير احتمال أن يكون المسوقون يوجهون جهودهم بشكل خاطئ من خلال محاولة تحفيز الرغبة في شراء المنتج من خلال الإعلان.
وفي الختام، لفت إلى أنه يتعين على صُناع السياسات الحكومية أن يدرسوا أيضاً التفاعل بين العوامل الوراثية والبيئية في تشكيل تفضيلات المستهلكين. وهذا يستلزم إجراء تقييم نقدي لمدى فعالية حظر الإعلانات في التخفيف من السلوكيات الاستهلاكية الإشكالية، مثل اضطرابات الشراء القهري والإفراط في الاستهلاك.