مَخاوف في لبنان من «إعصار نارٍ» مجنون قبل بلوغ الحلّ
- «حزب الله» يمطر العمق الإسرائيلي بأكثر من 300 صاروخ ومسيّرة
-غانتس يهدد الدولة اللبنانية و«أصولها»... ومسؤول أمني «بيروت ستهتزّ»
بين الرقم القياسي من الصواريخ التي أَطْلَقَها «حزب الله أمس على إسرائيل وتكريسه معادلة«بيروت مقابل تل أبيب»، وتَوَعُّدِ الأخيرة بلسانِ مسؤولٍ أمني بأن«العاصمةَ اللبنانيةَ ستهتزّ»، بدت الأرضُ وكأنّها تتهيّأ لـ«إعصارِ نارٍ» هو الأعنف منذ انفجار«حرب لبنان الثالثة» قبل شهرين خصوصاً في ضوء التعقيدات التي ما زالت تعترض بلوغَ اتفاقٍ برعايةٍ أميركيةٍ والتي فاقَمَتْها ارتداداتُ أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يواف غالانت.
وفي وقت كان «عَدّادُ» الصواريخ والمسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على شمال اسرائيل وصولاً الى تل ابيب، والتي أدخلتْ أكثر من مليون اسرائيلي إلى الملاجئ والأماكن الآمنة، يتجاوز 300 في نحو 15 ساعة، في موازاة غاراتٍ تدميرية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت واشتداد المواجهاتِ البرية مع اقتراب الجيش الاسرائيلي من بلوغ «البحر والنهر (الليطاني)» في القطاعيْن الغربي والشرقي، تَعاظَمَتْ المخاوف من موجة تصعيد قد تكون الأعتى:
- سواء كـ«صدى» لفشلٍ غير معلَن لمهمةِ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في بلوغ وقف نار في الفترة الفاصلة عن دخول دونالد ترامب البيت الأبيض.
- أو كَمحاولةٍ لتحصيل ما أمكن من مكاسب في الميدان يمكن أن تشكّل أوراقَ قوة في «لي الأذرع» الدبلوماسي وصولاً لاتفاقٍ يراوح بين أنه عالِق في آخِر «10 أمتار»، هي الأكثر صعوبة ولكن يمكن تَجاوُزها في فترة قريبة، وبين أنه بات في حُكْمِ المؤجَّل لِما بعد 20 يناير من دون إعلانٍ رسمي بذلك، لا من اسرائيل التي لطالما تفيأت جولات تفاوض مع «حماس» للإمعان في ضربات من«خارج كل نص»، ولا من واشنطن التي يَصعب تَصَوُّر أن إدارتها التي تستعدّ لحزم حقائبها ستوقّع على «وثيقةِ فشلٍ» فتُهْدي ترامب - الذي قد يكون نتنياهو يتعمّد فعلاً ترْك وقف حرْب لبنان كإنجازٍ ينطلق به عهدُه -«هديّتان».
ولم يكن عابراً أمس، وفي ضوء استهداف اسرائيل مجدداً الجيش اللبناني وتحديداً مركزاً له في العامرية على طريق القليلة – صور ما أدى الى «استشهاد أحد العسكريين وإصابة 18 بينهم مصابون بجروح بليغة»، أن يقوم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بما يشبه «إعلان الفشل» أو الإفشال الضمني لمهمة هوكشتاين من قِبل تل ابيب، وذلك بكلامه عن أن «هذا الاستهداف المباشر لمركز للجيش في الجنوب يمثل رسالة دموية مباشرة برفْض كل المساعي والاتصالات الجارية للتوصل إلى وقف النار وتعزيز حضور الجيش في الجنوب وتنفيذ القرار الدولي الرقم 1701».
وقال «إن رسائل العدو الاسرائيلي الرافض لأي حلّ مستمرة، وكما انقلب على النداء الاميركي - الفرنسي لوقف النار في سبتمبر الفائت، ها هو مجدداً يكتب بالدم اللبناني رفضاً وقحاً للحل الذي يجري التداول بشأنه».
وفي حين أكد ميقاتي «أن الحكومة التي عبّرت عن التزامها تطبيق الـ 1701 وتعزيز حضور الجيش في الجنوب، تدعو دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية الى تحمّل مسؤولياتها في هذا الصدد»، كانت قناة «ال بي سي آي» اللبنانية تنقل عن مصادر متابعة لملف التفاوض «ان اسرائيل ابلغت إلى هوكشاتين بعد وصوله الى واشنطن اعتراضها على وجود فرنسا في لجنة مراقبة تطبيق اتفاقِ وقف النار بحجة دعمها لقرار المدعي العام الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، ولبنان متمسّك بالحضور الفرنسي وما من عقبات أخرى لإعلان الاتفاق».
نقاط الخلاف
وفيما شكّكت أوساط سياسية في أن يكون هذه هي نقطة الخلاف الوحيدة، مذكّرة بإعلان تل أبيب تكراراً أنها تتمسك بحرية الحركة والتصرف في لبنان بإزاء أي تهديد وشيك أو في طور التشكُّل، سواء في ما يتعلق بدخول أسلحة الى «حزب الله» عبر المعابر والمرافق اللبنانية، أو إقامته بنية عسكريةٍ، وذلك بحال تلكأت لجنة الرقابة على تنفيذ الاتفاق في معالجة هذه الخروق، أوردت صحيفة «إسرائيل اليوم» أنه ما زالت هناك نقطتان خلافيتان رئيسيتان، الأولى تتعلق بمشاركة فرنسا في آلية الإشراف في ضوء معارضة تل ابيب منح الفرنسيين دوراً مركزياً، على خلفية تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون ضدّ إسرائيل، وكذلك ردّ فعل باريس على أوامر الاعتقال التي صدرت ضد نتنياهو وغانتس، والثانية تتعلق «بالمطالبة الأميركية اللبنانية بإدراج بند في الاتفاق يلزم بإجراء مناقشة فورية في شأن 13 نقطة خلافية على الحدود البرية، لكن إسرائيل تفضل صياغة غامضة تسمح لها بتحديد توقيت بدء المناقشات».
وشددت الصحيفة على أن هوكشتاين، من المتوقع أن ينقل قريباً إلى لبنان التحفظات الإسرائيلية، وسط ترجيح إسرائيلي، أنه يمكن التوصل إلى اتفاقات في غضون أسابيع قليلة، وربما أقلّ.
وإذ كان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو يدعو اللبنانيين والإسرائيليين إلى اغتنام «فرصة»سانحة من أجل التوصل إلى وقف النار، معرباً عن «حذره» في هذا الإطار، ولافتاً الى أنه «من خلال الدبلوماسية والعمل مع الأطراف المعنية في شأن المعايير التي تتيح ضمان أمن إسرائيل وسلامة الأراضي اللبنانية، أعتقد أننا بصدد التوصل إلى حل قد يكون مقبولاً من جميع الأطراف»، استوقف الأوساط السياسية، الى جانب زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايك كوريلا لتل أبيب حيث بحث القضايا الأمنية الإستراتيجية والوضع في لبنان، ما كُشف بعد ضربات «حزب الله» المكثفة والتي تَسَبَّبَتْ بسقوط 10 جرحى في نهاريا وحيفا ومحيطهما، عن أن نتنياهو دعا الى مشاورات «سياسية وأمنية محدودة»، وأن المشاورات «ستكون في شأن مقترح التسوية مع لبنان وتأتي في أعقاب الرشقات الصاروخية الواسعة من لبنان».
وترافق ذلك، مع كلامٍ لزعيم حزب «معسكر الدولة» الوزير السابق بيني غانتس قال فيه إن «الحكومة اللبنانية تطلق يد حزب الله»، مضيفاً «حان الوقت للعمل بقوة ضد أصولها».
وفي وقت كانت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينس بلاسخارت تبدأ زيارة لإسرائيل «لمناقشة الأزمة الحالية وأهمية التوصل إلى وقف النار، إضافة إلى تنفيذ القرار 1701 بشكل شامل»، أعلن ممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل من بيروت «مواصلة الاتحاد دعم الجيش اللبناني عبر تقديم 40 مليون يورو لمصلحة المؤسّسة العسكرية».
وأكد بوريل، الذي اختار «أن أختم تفويضي ومهمتي هنا في لبنان»، بعد لقائه الرئيس نبيه بري ضرورة بلوغ «وقف نار فوري وتطبيق القرار 1701 تطبيقاً فورياً ومباشراً من جميع الأفرقاء»، و«انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني وانسحاب مقاتلي حزب الله وانسحاب أيضاً القوات الاسرائيلية واعادة نشر السيادة اللبنانية الكاملة جواً وبحراً وبراً».
وأعلن «أننا مستعدون لتكريس 200 مليون يورو للجيش اللبناني وقد أبلغت رئيس الحكومة اللبنانية عن كيفية وطريقة دعم الجيش ليس فقط مالياً بل أيضاً تقنياً (...)».
في موازاة ذلك، كان الميدان يشتعل في شكلٍ هستيري، ولا سيما من جانب «حزب الله» الذي ردّ بقوةٍ على استهداف قلب بيروت فجر السبت (سقط ما لا يقل عن 29 شخصاً وأصيب 67 في غارة البسطا) فاستهدف بأكثر من 300 صاروخ، اسرائيل، وصولاً الى قاعدة غليلوت (مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200) في ضواحي تل أبيب، وقاعدة بلماخيم (قاعدة أساسية لسلاح الجوّ، تحتوي على أسراب من الطائرات غير المأهولة والمروحيات العسكرية، ومركز أبحاث عسكري، ومنظومة حيتس) التي تبعد عن الحدود 140 كلم، جنوب تل أبيب. كما هاجم بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة قاعدة أشدود البحريّة التي تبعد عن الحدود 150 كلم.
في المقابل، كثفت اسرائيل غاراتها جنوباً وسط مواجهات طاحنة في بلدة الخيام ومحيطها (القطاع الشرقي) بعدما لامس جيشُها نهر الليطاني من ناحية بلدة ديرميماس، في وقت واجه تقدّمه في بلدة البياضة (القطاع الغربي) مقاومةً شرسة اضطرته للتراجع إلى شمع، وسط تقارير (موقع لبنان 24) نقلت عن مرجع عسكري سابق «إنَّ الوقائع القتالية في منطقة البياضة - الناقورة تُوحي بأنّ اسرائيل تسعى لتنفيذ تقدّم إضافيّ لا ينحصر فقط بالسيطرة على تلة البياضة المُشرفة على البحر، بل أيضاً في التحضير لتقدّم على خط الساحل قد يُسفر عن الوصول إلى خطّ عميق جداً ينتهي باحتلال مشارف مدينة صور أو التقدّم بعدها نحو القاسمية».