رأي قلمي

ما صار يُسر وعُسر...!

تصغير
تكبير

كلمات دارجة على ألسن الناس، العالم والجاهل، الصغير والكبير، المثقف والأميّ، وأصبحت محل استشهاد لكثير من أمور الدين، تتردد كثيراً بالمجالس والحوارات والنقاشات، إلا أنهم لا يعرفون مدى عمق معناها، «الدين يُسر وليس بعُسر»، «بشروا ولا تنفروا»، غالباً تقال في غير محلها، ويكون من قالها لا يعي ولا يدرك ما المقصود الحقيقي منها.

في علم العقيدة وفي الفقه العام، هناك ثوابت لا تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف الطارئة، وذلك مثل: الإيمان بوجود الله تعالى، وبالرسل، والكتب، واليوم الآخر... هذا ما يخص علم العقيدة، أما الفقه العام مثل: مكارم الأخلاق، وحفظ النفوس، والأموال، والأعراض، بالإضافة إلى ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل: وجوب الصلاة والزكاة والحج والصيام، ومثل: حرمة قتل النفس والزنى وشرب الخمر والميسر والربا... لا يصح قول: «الدين يسر وليس بعسر، أو بشروا ولا تنفّروا».

أما ما يخص الأعراف والعادات، فإن لدى الناس الكثير من العادات والأعراف التي لم يُنشئها نص شرعي، ولم تتعرض لها الشريعة بالمدح أو الذم، فهذه قابلة للتغيير، ويتغير بناء عليها الحكم الشرعي، وهذا يدل على أخذ المشرّع الحكيم للإرادة الاجتماعية الحرة بعين الاعتبار. ومن هذه الأعراف والتقاليد، أنه قد كان جماهير المسلمين في الماضي يلحظون في كبار الموظفين ما لديهم من صلاح وورع واستقامة شخصية إلى جانب الكفاءة الإدارية، وما زال لهذا قيمته، لكنَّ تغيُّر الظروف والأحوال، وتعقُّد المهمات الإدارية والحساسية البالغة نحو النزاهة والشفافية، جعلت الناس يهتمون اليوم بالكفاءة الإدارية والاستقامة الوظيفية؛ أي نظافة اليد والحفاظ على المال العام، أكثر من اهتمامهم بالسلوك الشخصي للموظف وبحياته الخاصة، وهذا جدير بالمراعاة في التوظيف اليوم.

كذلك، ما يستخدمه الناس في الشتم والإهانة والإساءة من ألفاظ وتعبيرات، موكول أيضاً إلى العرف، فرُبَّ كلمة تكون في مجتمع من المجتمعات، أو عصر من العصور، مرفوضة ومستهجنة، وتكون في عصر ومجتمع آخر من المألوفات.

لذا؛ علينا ألا نستشهد بكلمات لا صلة ولا علاقة لها بالشرع، بل إن إحالة كثير من الأمور إلى ما يحدده العرف والعادة، يعني فيه مراعاة الذوق الاجتماعي في أدق التفاصيل، ولا ارتباط له باليُسر والعُسر، أو التبشير والتنفير، بل بالعكس، فإن فيه إظهاراً واضحاً لمرونة الشريعة، وصلاحيتها للحكم، في كل زمان ومكان.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي