هل تسير الهند من الغاندية إلى الصهيونية؟

تصغير
تكبير

كتب عبدالوهاب المسيري، مقالاً بعنوان «غاندي والصهيونية» دلّل فيه على معارضة الزعيم الهندي الماهاتما غاندي للصهيونية، حيث ذكر أن حزب المؤتمر الهندي في عام 1938 قد أصدر بياناً يدين بريطانيا لتبنيها مشروع تقسيم فلسطين.

وينقل المسيري قولاً تاريخياً عن المهاتما غاندي، حيث قال: «إن الدعوة إلى إنشاء وطن لليهود لا تعني الكثير بالنسبة لي، إذ إن فلسطين تنتمي للعرب تماماً كما تنتمي إنكلترا للإنكليز أو فرنسا للفرنسيين، ومن الخطأ فرض اليهود على العرب، وما يجري الآن في فلسطين لا علاقة له بأي منظومة أخلاقية».

كما ينقل المسيري مقطعاً مهماً من مقال قد كتبه غاندي، قبل اغتياله، قال فيه «لقد تصورنا أن المِحنة ستعلّم اليهود درس السلام، ولكن ما حدث هو العكس، إذ يحاول اليهود فرض أنفسهم على فلسطين بمساعدة الأسلحة البريطانية والأموال الأميركية، وأخيراً عن طريق الإرهاب المباشر».

اعتبر المهاتما غاندي أيقونة للمناضلين في شتى بقاع العالم وليس في الهند فحسب لأنه كان مدافعاً شرساً عن الحقوق المدنية للإنسان.

إنّ فلسفة غاندي السياسية، والتي كانت تقوم على ثلاث دعائم وهي الشجاعة والحقيقة واللاعنف، هي التي ارتقت بالهند وشعبها وجعلت منها دولة ثائرة بهدوء ضد العنف وواقفة بشموخ تجاه الاضطهاد العالمي.

لقد استطاع غاندي تحرير الهند عبر تحرير نفسه أولاً من أي نزعات تطرفية وجسّد ذلك في أحد مقولاته في 13 يناير عام 1948، حيث أطلق جملته الشهيرة «الموت بالنسبة لي خلاص مجيد بدلاً من أن أكون شاهداً عاجزاً على تدمير الهند والهندوسية والسيخية والإسلام».

لقد كان يرى روعة الهند في تعدديتها وموزاييكها الحضاري الفريد الذي تفوح منه عبق الأزهار الزاهية وتتصاعد من غاباتها أدخنة البخور العطرة وتصبغ العالم بألوان توابلها الزكية.

الهند التي انتصرت على الاستعمار بعد كفاح مرير أتى على معالم حضارتها وبشريتها وثرواتها قد أهدت العالم قصة جميلة تخلط بين الصبر والنصر وما بين اللاعنف ورفض الذل وامتزاج بين فلسفة الخيال ومنطقية الواقع... الهند التي صنعت عبر تعدديتها الجميلة أكبر ديمقراطية في العالم... الهند التي احتوت بين جبالها وغاباتها وسهولها وأنهارها وبحارها كل آسيا وشعوبها... الهند التي امتدت يدها إلى أصقاع العالم بمهاجرين ومبدعين وعلماء وفنانين... مع الأسف الهند اليوم تعكس كل ذلك مع وصول سياسيين من نوع لا يمت لجوهرها بصلة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندارا مودي وحكومته تخرج عن كل ذلك الإرث عبر شعارات لا يمكن أن تحملها موسيقى اللغة الهندية الرخيمة. رئيس الوزراء مودي قد خرج عن المألوف بل تناقض مع الموروث الغاندي إزاء الصراع العربي - الصهيوني.

لقد كانت الهند حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي تناهض سياسة الكيان الصهيوني ولم يكن هناك سفارة للكيان في الهند بل كان هناك تمثيل دبلوماسي متدنٍّ وصل الحال إلى طرده، ولكن نتيجة العمل الدؤوب لعناصر الكيان الاستخباراتية التي امتدت إلى دوائر الأحزاب والتيارات المتطرفة هي التي صنعت هذا الاتجاه المنحاز للباطل ضد الحق العربي.

وفي الصراع الدائر حالياً والذي يشهد جرائم إنسانية يقوم بها الكيان الصهيوني على رؤوس الأشهاد تقوم الهند بتزويد هذا الكيان الغاصب بالسلاح وتمد له يد العون.

وفي تقرير ينقله موقع الجزيرة عن صحيفة هآرتس الصهيونية تحت عنوان «العلاقات الهندية الإسرائيلية... آلاف الوثائق ترسم مسارها من التوتر إلى التطور» تتبين مفاتيح رموز العلاقة الهندية مع الكيان الصهيوني، والتي دون شك تتنكر إلى إرث الهند النضالي والمحب للسلام والمناهض للعنف.

إنّ الأيديولوجية تلك لا تنسجم مع الطبيعة الهندية المنفتحة، ولذلك لن تتطور الهند من خلال موجود غاصب ومولود غير شرعي وكيان معتدٍ. كما في تقديري العلمي أنه لا يمكن أن يتجلى أي هدف وطني للهند من خلال التيهان في غياهب السياسة الصهيونية المظلمة المتنافية في أصولها التكوينية مع الفلسفة الغاندية التي صنعت الهند الحديثة.

ومن جهة أخرى، فإنّ العلاقات العربية - الهندية على المستويين الشعبي والرسمي ذات أبعاد تاريخية وحضارية واقتصادية متينة ومتداخلة، ويتعين على أي سياسي هندي يرنو إلى تحقيق هدف الهند أن يعرف بأن الأبعاد الإستراتيجية للمصالح الهندية تسطع فقط في علاقاتها مع العرب والمسلمين الجيوسياسية.

فالدول العربية والإسلامية أشسع أرضاً وأشيع أنفساً وأوسع مصالح مع الهند خصوصاً في ضوء الحقبة الدولية المقبلة التي تشهد تغيّراً هيكلياً في النظام الدولي. وهذا بالتأكيد لن يعفي الدول العربية والإسلامية من أن تعمل مع الهند وتعزّز الحوار معها لمواجهة موجة الهند هذه، وذلك في سبيل استرجاع موقفها السياسي الإيجابي مع الحق الفلسطيني.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي