ضمن كلمته الافتتاحية، بمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 29) المنعقد حالياً في باكو، عاصمة جمهورية أذربيجان، قال الرئيس الأذربيجاني رئيس «كوب 29» السيد/ مختار باباييف: نحن على طريق الخراب، الأمر لا يتعلق بمشكلات مستقبلية، فتغير المناخ موجود، علينا الآن أن نُظهر أننا مستعدون لتحقيق الأهداف التي وضعناها لأنفسنا، وهذه ليست مهمة سهلة.
أول مؤشرات «الخراب» المناخي هو ما جاء في تصريح الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية سيليستي ساولو (Celeste Saulo)، بأن «هطول الأمطار والفيضانات القياسية، والأعاصير المدارية التي تتسارع شدتها، وموجات الحرارة المميتة، والجفاف المستمر والحرائق الكارثية للغابات التي شهدناها في العديد من دول العالم هذا العام، هي للأسف واقعنا الجديد، ولمحة عن مستقبلنا المنظور».
كما أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن متوسط درجة الحرارة العالمية سجّل رقماً قياسياً بلغ 1.54 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل النهضة الصناعية. في حين الهدف من اتفاقية باريس للمناخ هو الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة مئويّة.
من جانب آخر، يرى مراقبون بيئيون أن المؤشر البارز الآخر المثير للقلق، هو اقتران وتزامن هذا المؤتمر المناخي بتصريحات مدوية وتحرّكات عارمة داعمة لإنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري. تصريحات وتحرّكات متنافرة مع خارطة الطريق «للتحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري» التي وافقت عليها العام الماضي الدول المشاركة في مؤتمر المناخ السابق «كوب 28» في دبي، فضلاً عن مخالفتها التوجّه العام لكل من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس للمناخ.
من بين التصريحات المدوية، التأكيد المُكرّر من قبل الرئيس الأذربيجاني في كلمته الافتتاحية على أن النفط والغاز «هبة من الله»، ودفاعه عن البلدان المصدّرة للوقود الاحفوري بكونها بلداناً تلبّي حاجة الأسواق، مثلما لبّت أذربيجان حاجة الاتحاد الأوروبي للغاز، عندما طلب المساعدة لتعويض النقص الشديد في واردات الغاز الروسي.
وحسب صحيفة بوليتيكو (Politico) الأميركية، نادراً ما تحتوي الخطب الافتتاحية في مؤتمرات المناخ السنوية على مثل هذا الدفاع عن الوقود الأحفوري، وبالتأكيد ليس من قبل الدولة المضيفة. ولكن يرى مراقبون سياسيون أن حدثين بارزين قد يكونان وراء هذا الدفاع العلني الاستثنائي عن الوقود الأحفوري من قبل الدولة المضيفة لمؤتمر المناخ الحالي «كوب 29».
السبب الأوّل المحتمل هو الحملة الإعلامية الواسعة التي تعرّضت لها أذربيجان بعد تسريب مقطع فيديو، في يوم الجمعة الماضي، يُظهر الرئيس التنفيذي لمؤتمر «كوب 29» نائب وزير الطاقة في أذربيجان السيد/ النور سلطانوف، يتفاوض مع محقق سرّي من منظمة Global Witness بصفته ممثلاً عن EC Capital (شركة استثمارية «وهمية» متخصّصة في قطاع النفط والغاز) على إبرام اتفاقية لرعاية «كوب 29»، وفي الجلسة ذاتها يعرض سلطانوف مساعدة الشركة في عقد مناقشات مع شركة النفط الحكومية الأذربيجانية بشأن الاستثمار في قطاع النفط والغاز في بلاده.
والسبب الثاني المحتمل هو إعلان الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، عزمه إعداد قائمة من الأوامر التنفيذية والإعلانات الرئاسية بشأن المناخ والطاقة، تشمل الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والسماح لبلاده بمزيد من أعمال التنقيب عن النفط، حسبما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز».
لا شك أن الانسحاب الأميركي المرجّح يعتبر من أبرز مؤشرات «الخراب» المناخي المنظور. فانسحابها سيضعف كثيراً الزخم الدولي لدعم وانفاذ الاتفاقية، وسوف يقلّل بوضوح الجهود الدولية المبذولة لخفض الانبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة، وسوف يفاقم النقص في تمويل «المناخ»، وبالتالي سيضاعف الضغوط المتعدّدة الأطراف على الدول النامية «الغنيّة» للمساهمة السخيّة في التمويل. لذلك، على تلك الدول الاستعداد فوراً والتنسيق جيداً للتعاطي بحصافة مع هذه الضغوط...
اللهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com