من الخميس إلى الخميس

(الفصل الأخير)

تصغير
تكبير

مَن قال إنّ الكتاب يُقرأ من عنوانه!

لا تُقرأ كُتب العلم والفكر والثقافة من عنوانها، ولا يُمكن أن تنال العلم والمعرفة من كتاب إلّا إذا أغلقت آخر صفحة فيه.

هذا هو الخطأ الذي وقع فيه (دانيال) وهو يشاهد صاحبه (نيروز) يستولي على أجزاء من أرض (محمد)، قبل ذلك تواترت الأخبار عن مرض (محمد)، لم يحاول أحد السؤال عنه، أولاد (محمد) انشغلوا في ذلك العارض الخطير الذي ألمّ بهم، كان حاضر العائلة كلها قاتماً، أب لا يكاد يتحرك وأبناء لم يُحسنوا تصريف الأمور.

توغل (نيروز) في الأرض الشاسعة التي لم تعد محمية، نجح في بسط يديه على أجزاء من أرض (محمد)، زرعها ومن حصادها أطعم الأنعام فيها، توالت الأخبار باتساع سطوة الغازي وتمدّد نفوذه.

(دانيال) قرأ العنوان، كما سبق لـ(نيروز) أن قرأه، (محمد) مريض، هذه فرصة (دانيال) التاريخية، لديه القوة لينافس (نيروز) على حصة الرجل المريض، دخل (دانيال) بدوره الأرض العربية وأوجد له فيها أنعاماً تأكل من خيرات أرض (محمد).

(نيروز) و(دانيال) كلاهما لم يقرأ الكتاب؛ اكتفيا بالعنوان، ولكن العلم الحقيقي لا يؤخذ من العنوان، إنه كتاب عظيم، كتاب تاريخ العرب، يحتاج إلى قراءة هادئة، يحتاج إلى تفحص كل كلمة فيه، إنه تاريخ غُلِّف بالفخار، وامتلأ بالعلم والفتوحات والصراعات، حتى تكالبت عليه الأمم، تحاول إسقاطه ورغم ذلك ما زالت صفحاته جديدة كأنها لم تُمس.

(محمد) المريض يهمس في آذان أبنائه بوصاياه، وصايا لم تكن جديدة، سبق في كل عصر أن تناقلتها أجيال، كلماته محفورة في قلوب العرب منذ أن حملوا مشعل الإسلام، منذ أن فهموا قول ربهم «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وصايا يهمس بها (محمد) هي الكلمات الأخيرة المحفورة في الفصل الأخير من كتاب التاريخ، ذلك الكتاب الذي قرأ عنوانه (نيروز) و(دانيال)، قرأوا عنوانه فقط وظنوا أنهم ومن أطعموهم من أنعام سيتمكنون من تقسيم أملاك (محمد)، طبيعة الفاشلين لا يقرؤون الفصل الأخير.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي