رؤية ورأي

حادثة الطالبة الفلسطينية بالمدرسة الإسرائيلية

تصغير
تكبير

في الذكرى السنوية الأولى لواقعة «طوفان الأقصى»، نظّمت إحدى المدارس الإسرائيلية حلقات حوارية بعنوان «مذبحة السابع من أكتوبر»، بواقع حلقة في كل صف. ولكن سرعان ما تحوّلت هذه المبادرة في أحد الصفوف من تربوية إلى كارثية، بعد مداخلة طالبة فلسطينية.

فبعد استماعها إلى مشاركات زملائها وزميلاتها في الصف، حول أحداث السابع من أكتوبر ومآسيها وعواقبها من المنظور الإسرائيلي، شاركت الطالبة الفلسطينية – التي تبلغ من العمر 13 عاماً – بمداخلة مختلفة، من المنظور الفلسطيني، أشارت فيها إلى أن أطفال غزّة المهجّرين الجياع أيضاً ضحايا، عانوا ومازالوا يعانون من الحرب. فتحوّلت الجلسة الحوارية في لحظة إلى قمعيّة، ثم إلى مشروع إرهاب.

الطلبة أحاطوا بالطالبة، وأمطروها بالشتائم، ورموا عليها بعض الأغراض. وعوضاً عن توفير الحماية اللازمة لها، انسحبت المعلّمة وغادرت الصف، وتركت الطالبة وحيدة بينهم، إلى أن تدخّلت معلمة أخرى. ثم قرّرت إدارة المدرسة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم توقيف الطالبة عن الدراسة لمدة ثلاثة أيّام، وانطلقت حملة إشاعات ضد الطالبة ودعوات لسحب شهادة المواطنة منها!؟

في الجانب الآخر، الإنساني، وَجّهت شاي ساجي هوفر – وهي معلمة إسرائيلية من مدرسة أخرى – رسالة إلى الطالبة الضحية، عبر مقال صحافي نشر في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عنوانه «إلى التلميذة العربية من بئر السبع، من مُعلّمة يهودية من القدس: أنتِ شجاعة جدّاً. لا تحزني».

المقال أكثر من رائع. وفيه مقاطع تستحق الاقتباس، كالذي تقول فيه مخاطبة الطالبة: أُريدُكِ أن تعلمي أن الأولاد الذين هاجموكِ خائفون. وكذلك المعلِّمة التي غادرت غرفة الصف وتركتكِ هناك مكشوفة، هي أيضاً خائفة. ومن المرجّح أن إدارة المدرسة أيضاً خائفة، بل حتى مجموعة الموظفين الرفيعين في وزارة التربية والتعليم، خائفون. وكما يبدو، وزير التربية والتعليم – الطيّار البطل – خائفا أيضاً. هؤلاء خائفون من الحقيقة ومن الفتيات الشجاعة مثلكِ، اللّواتي يُصررن على رؤية الحقيقة، وإظهارِها.

أجادت المعلّمة كاتبة المقال في استعراض الخلل التربوي، المستفحل والمستشري في إسرائيل، الذي كشفته حادثة الطالبة الفلسطينية. وأحكمت في دعوتها الجهاز التعليمي الإسرائيلي إلى مواجهة هذا الخلل. ولأن الخلل ذاته مستشرٍ في الكويت، وانكشف استفحاله مراراً، كما هو الحال الآن، منذ «طوفان الأقصى»؛ لذلك سأعرض – بتصرّف خفيف – فقرتين من المقال متعلّقتين بتشخيص الخلل ومعالجته.

في الفقرتين، خاطبت الكاتبة ضمناَ الكادر التعليمي، من خلال الرسالة الموجّهة إلى الطالبة الضحية. حيث كتبت في الفقرة الأولى: ردّة الفعل القاسية عليكِ كشفت انعدام القدرة لدى كثيرين منّا على التحديق في الواقع «المركَّب» ومحاولة رؤيته بـ«شموليته». إن تطوير هذه القدرة هو جزء لا يتجزأ من العمل التربوي. وذلك من خلال تشجيع الحوار بين الأصوات المختلفة، وإفساح المجال لسماعها، ومساعدة الطلبة على رؤية الصورة «المركَّبة»، وتحديد وكشف الظلم أينما كان موجوداً.

وأضافت في الفقرة الثانية: «ش» العزيزة، أنا لا أعرف بالضبط ماذا قُلتِ في خضم ذلك النقاش داخل الصفّ، أي كلماتٍ وضعها آخرون في فمِكِ وما الذي كنتِ تقصدينه بالضبط. من المحتمل أن يكون النقاش قد احتدّ واحتدم وبنظرة إلى الوراء ربما تشعرين بالندم على هذه الصياغة أو تلك، أو ربما تأسفين على كلامٍ لم يُسعفك الوقت والمجال لقوله. هذا حسن ومقبول. فالمدرسة هي مكان يُسمَح فيه بارتكاب الخطأ، وسنحصل فيه دائماً على فرصة أخرى يكون بإمكاننا فيها أن نُصحِّح ونعدِّل. ووظيفتنا، نحن المعلمات والمعلمين، هي أن نوجِّه ونشجِّع وننمّي الطلبة، أنتِ والآخرين، كالذين تجمّعوا حولكِ.

وأنا بدوري أخاطب ضمنا المعنيين بالتربية والتعليم في الكويت، من خلال هذا المقال... «اللهم أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي