يتناول قضايا السجناء و«أبناء الشؤون» في كتابَي «ندمان خلف القضبان» و«ليتني يتيم» الصادرين عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع

ماجد العلي ينكأ الجراح... في قصص واقعية أغرب من الخيال

تصغير
تكبير

- سلسلة القصص التي اختار العلي أن تكون باكورة أعماله الكتابية هي من ضمن سلسلة أكبر سبق نشرها في صحيفة «الراي»
- ترك العلي لأبطاله مهمة الراوي ولم يتدخل إلّا في الوقت الذي وجد فيه بدّاً من ذلك
- أطلق الحرية لـ 27 قصة في «ندمان خلف القضبان»
- من جلسة في مخيّم... فُتح الباب على مصراعيه أمام الكاتب ليجد نفسه أمام قصص يرويها أصحاب «ليتني يتيم»

سلسلة من القصص الواقعية، تتركك غارقاً في سلسلة من المشاعر المتأرجحة بين حزن وشفقة ودهشة، وصولاً إلى غضب تجده زال لا إرادياً عند آخر نقطة في نهاية سطر.

لا يمكنك وأنت تقرأ كتابَي «ندمان خلف القضبان» و«ليتني يتيم» اللذين صدرا أخيراً لرئيس تحرير «الراي» السابق ماجد يوسف العلي عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، إلا وأن تستخدم عضلات وجهك كافة... ترفع حاجبيك اندهاشاً وتقبضهما غضباً، وترتسم على شفتيك ابتسامة صفراء تارة، وتتمتم طوراً، بالتزامن مع تحريك عينيك يمنة ويسرة نزولاً للوصول إلى نهاية كل قصة تحفر في قلبك كما حفرت في سجل حياة «أبطالها»، الذين منهم من كانت نهايته إما التدلي من حبل المشنقة إعداماً، أو العدّ على جدران زنزانته ما تبقى له من أيام داخلها، ومنهم من لا يزال غارقاً في واقع مرير لا نهاية له، لم يختره لنفسه، بل فُرض عليه من والدين لم يعرفهما يوماً.

سلسلة القصص التي اختار العلي أن تكون باكورة أعماله الكتابية، اختارها من ضمن سلسلة أكبر سبق نشرها في صحيفة «الراي» قبل خمسة عشر عاماً تقريباً... جمعها بين أغلفة أربعة، ليتيح لمن لم تسنح له فرصة مطالعتها في الصحيفة أن يقرأها. وعلى الرغم من قساوة تفاصيلها، إلا أن اعتماد أسلوب السهل الممتنع في الطرح، تجعل القارئ متلهفاً لقراءة المزيد... وهي كما يقول على غلاف كل منهما «قصص من الواقع وفي الحياة ما هو أغرب من الخيال».

ترك العلي لأبطاله مهمة الراوي، ولم يتدخل إلا في الوقت الذي وجد فيه بداً من ذلك، ما أضفى إلى واقعية القصص نكهة خاصة.

قصص خلف القضبان

بين جدران السجن المركزي، تدور أحداث الكتاب الأول «ندمان خلف القضبان»، حيث أطلق العلي الحرية لـ 27 قصة، ارتأى أصحابها أن روايتهم لها، قد تكون رادعاً لغيرهم كي يبتعدوا عن طرق سلكوها.

جلس الكاتب مع قتلة محكومين بالإعدام، بل منهم من نُفّذ فيه الحكم بعد رواية قصته... كما جلس مع سارقين وتجار مخدرات ومتعاطين... ومغتصبين، بعضهم قاده الطريق الذي اختاره إلى خلف القضبان، وبعضهم الآخر أوصلته «الأحلام» أو «الصدفة» ليرتكب جريمته.

«هل يعقل أن من كان يخشى يوماً دخول المخفر أو حتى المرور من أمامه يُحكم عليه بالسجن المؤبد لأنه قتل من أحبها؟»... «ما الذي يمكن أن تُحدثه أسرة مفككة كتلك التي أعيش معها غير الانهيار؟ ولماذا تتحمل امرأة كل تلك الإهانات وصنوف العذاب من رجل لا يُحسن معاشرتها كما لم يعرف يوماً كيف يربي ولده على الفضيلة غير أنها ضعيفة الشخصية كثيرة الخوف من المستقبل؟»... «لماذا يتغير سلوك الشاب فيتحول من الالتزام والانضباط إلى الهمجية والتسيّب؟ ولماذا ينهار الإنسان عادة أمام المغريات فيسلم نفسه إلى الشهوات والمتع الحرام؟»... «بعد خروجي من محبسي ماذا سيكون وضعي؟ وكيف سيتقبلني الناس؟ ومن سيقبل بمصاهرتي وتزويجي من ابنته بعد ما عرف عني؟ وبأي وظيفة سأعمل بعد أن فقدت وظيفتي؟»... بعض من أسئلة طرحها أبطال القصص، تختصر حالة الهذيان التي يعيشها كل منهم بعدما أفاقوا في غياهب السجن.

في هذا الكتاب، يوصل العلي فكرة أن الجريمة لا مبرر لها، واللوم لا يقع على الظروف أو النشأة، بل هي قرار اتُخذ بإرادة صاحبه.

لقطاء يواجهون الحياة

وفي كتابه الثاني «ليتني يتيم»، طرق العلي أبواب أشخاص واجهوا الحياة التي رُسمت لهم ليجدوا أنفسهم في ظلمات أعماق لم يتمكنوا من النجاة من رواسبها، مهما حاولوا أن يسبحوا صعوداً نحو النور.

من جلسة في مخيّم، فُتح الباب على مصراعيه أمام الكاتب ليجد نفسه أمام قصص يرويها أصحابها، ممن اختلفت عندهم التفاصيل، لكنهم يجتمعون في النهاية عند نقطة واحدة... حياة بلا أبوين، حتى لو كان منهم من توصل إلى أحدهما أو كليهما، إلا أن النهاية لا تكون سعيدة، باستثناء القصة الأخيرة التي بعثت نوعاً من الأمل في إيجاد الوالدة بعد بحث طويل في مصر.

وعلى الرغم من قسوة الحياة التي يعيشها أبطال هذه القصص بلا حضن يحتويهم أو شخص يستمع إلى مشاكلهم التي تؤرق كل طفل وطفلة أو حتى مراهق ومراهقة، كشفوا عن أنواع من العذابات التي تمارس بحقهم في دور الرعاية، من تحرشات واعتداءات، وصولاً إلى «التعذيب المخابراتي» المتمثل بوضع القلم بين أصابع الأطفال والضغط عليها من قبل بعض المشرفات، اللواتي حوّلن الدور إلى بيت ضيافة وتدخين سجائر وشيشة.

في الكتابين، أعاد العلي التصويب مجدداً على قصص نكأ جراحها سابقاً، وهو يبرر إعادة نشرها في كتابه الأول بقوله: «ما اتخذت قراري بإعادة نشر تلك القصص إلا رغبة في أن يأخذ من يقرأها العِبرة والعظة، وأن يجد من خلالها السبيل للبعد عن هوى النفس وطريق الفساد، الذي أوصل كثيرا من نادمينا إلى غياهب السجن، وبعضهم إلى حبل المشنقة».

وفي كتابه الثاني «كي يكون سجلاً للتاريخ الصحافي، وما أردت الخوض في هذا المضمار إلا بعد أن لامست معاناة طالت هؤلاء الشباب والشابات تارة، ونالت من سمعتهم تارة أخرى، كي أكشف النقاب عن تلك المآسي في محاولة مني لتحذير غيرهم من شرائح المجتمع كافة علّهم يتفادون الوقوع في مثل تلك الأخطاء والخطايا التي تدمر حياتهم وحياة أبنائهم».

صرح «الراي»

أشار العلي في مقدمة أحد كتابيه، إلى تدرجه في «أعرق صرح إعلامي في الكويت ومنطقة الخليج العربي، وهي صحيفة (الراي)» في مسيرة استمرت إلى ما يزيد على ربع قرن، اعتلى فيها السلم من بدايته كمحرر ميداني، مروراً بترقيته إلى مسؤول الصفحة الدينية، ثم مسؤول قسم ومدير للصفحات المتخصصة، قبل أن يصبح مستشاراً للتحرير ونائباً لرئيس التحرير، وانتهاء بوصوله إلى رئاسة التحرير.

إجراءات تصحيحية

تطرق العلي إلى أن دخوله السجن المركزي لإنجاز «ندمان خلف القضبان»، أتى بعدما وصل صدى تحقيق نشره في صحيفة «الراي» عن دخول المخدرات وممنوعات إلى النزلاء في السجن، إلى سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيّب الله ثراه، واستدعاء وزير الداخلية له آنذاك الشيخ محمد الخالد، ليخبره بأن سمو الأمير والقيادة السياسية قرأوا ما كتبه وأعجبوا به، ومن ثمّ طالب وزير الداخلية بإجراءات تصحيحية وإصلاحية داخل السجن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي