رأي قلمي

مُعدية ولا علاج...!

تصغير
تكبير

إنّ أدبياتنا تعلّمنا أن الأسلوب الصحيح في مواجهة الضغوط الناتجة من شعور الغربة، وتحدياته لا يكمن في التشاغل بالرد عليها، ما قد يجرنا إلى معارك خاسرة، وإنما يتمثل في الانكفاء على الداخل بالإصلاح والتنقية والتدعيم. ولا شك أن ذلك شاق على النفس، لأن المرء آنذاك يحتاج أن ينقد نفسه، ويجعل من ذاته الحَجر والنحّات في آن واحد.

لذا، يشعر المرء اليوم بغربة حقيقية بين أهله وأحبابه، على الرغم من أنه يجد نفسه فريداً ومتميزاً على مستوى المبادئ والمفاهيم والأهداف، وهذا التميز جرّ عليه ضغوطاً أدبية ومادية، هي أكبر بكثير مما يظن.

كثير من القواعد الاجتماعية والتربوية توجهنا نحو الانكفاء على الداخل في مواجهة الخارج بالنقد والإصلاح والتقويم والتحسين، وإن المتتبع للمنهج الشرعي التربوي الاجتماعي في كيفية التعامل مع العلاقات السيئة في حياتنا سيجد أن هذا السوء لا يعود إلى قصور مادي، وإنما يعود إلى قصور داخلي، يتمثل في الاستسلام لأمراض القلوب المتمثلة بالغيرة والحسد والحقد.

وعندما يُهزم الإنسان ويشعر بالدونية وأنه أقل من أقرانه في كل جوانب حياته، يقع في فخ الأمراض القلبية والسبب خلل داخلي، وليس بسبب المواقف والظروف التي يتحجّج بها.

من المهم جداً أن يتعلّم المرء التدعيم الذاتي في مقابل الموضوعي، لأنه إذا تعلّم كيف يدعم ويحسّن من ذاته إذا ساءت ظروفه، وشعر بالدونية أمام الآخرين، سينقذ نفسه من أمراض قلبية، تجرّه إلى انفلات سلوكه، وغالباً يكون سلوكه سلبياً لأنه يشعر بالإحباط واليأس، فيقطع رحمه، ويتخلّى عن أحبابه، ظناً منه أنهم أفضل منه في كل جوانب حياته، لأنه لا يرى إلا النواقص ولا ينظر إلّا للنِّعم التي عند غيره، فيصبح إنساناً غيوراً حسوداً حقوداً، لا يعرف من قواعد العلاقات غير الكيد والخيانة والغدر فيمن يظن أنهم أفضل منه، يعيش بين أوهامه وخياله الفاسد، بأن الناس دائماً ضده، وأنهم يستخدمون ضده العنف بتعاملهم الراقي معه، فهو يراه تعاملاً سافراً وسيئاً، فيموت بحسرته من الغيرة والحسد والحقد.

وإن لم يعِ على نفسه قبل فوات الأوان، فسوف يدخل في مشكلات لا علاج لها. فوجب عليه أن يهذّب ذاته ويحسّنها ويدعمها ويرتقي بها، وهذا التدعيم يأخذ أشكالاً كثيرة منها: مقاومة ومشاكسة نفسه الأمّارة بالسوء، الاستمتاع بنِعم الله- تعالى - عليه واستغلالها في طاعته، النظر إلى الموجود بين يديه وعدم التفكير في المفقود، ينظر إلى المستقبل بعقل مفتوح قنوع بما رزقه الله - تعالى - يحسّن علاقاته مع الآخرين، إلى جانب التخلّص من أكبر قدر ممكن من العادات السيئة، مثل الفضول، والتدخل في ما لا يعنيه، ويكثر السؤال بكل صغيرة وكبيرة، في ما يخصه وما لا يخصه. لذا، عليه أن يجتهد في تحسين مستواه الشخصي، يعتني ويهتم بقلبه ويحصّنه ويقيه من الأمراض التي قد تعتريه. قبل أن يجد نفسه منبوذاً مذموماً، ويُختم على شخصه بختم الغيور الحسود الحقود، الجميع يتحاشاه حتى لا تصيبهم أمراضه التي قد تكون مُعدية ولا علاج لها إلّا البُعد عنه.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي