قِيل قديماً إن النفط هو «الذهب الأسود»، وأنه كنز لا يقدّر بثمن. ولا أنكر نعمة النفط التي أغنت الدول وحوّلتها من دول بسيطة إلى دول غنية. ولعل على رأسها حبيبتنا الكويت. ولكن لمصلحة الوطن واستمرار طبيعة حياة المواطن الكويتي في عز ورخاء، أصبح من الضرورة أن نبني اقتصاداً لا يعتمد على النفط فقط.
عُرِفت الكويت أنّها مصنع الحضارة والثقافة في الخليج خاصة والعالم العربي عامة. حيث كان الإعلام الكويتي مسيطراً على شاشات وقلوب العرب. بل أصبح فنانو العصر الذهبي رموزاً للفن العربي، وكان المسرح الكويتي ينافس المصري ويستقطب الجماهير من العالم العربي أجمع. وكان تلفزيون دولة الكويت سابقاً لزمانه. كان يملك حزمة برامج عظيمة مازلنا نشاهد مقاطعها على «يوتيوب».
إنّ الدراما الكويتية كانت إيجابية ومبنية على قيم سامية تؤثر إيجاباً على المُشاهد وتترك دروساً حياتية يستفيد منها. ناهيك عن برامج الكارتون المدبلجة بطريقة تتناسب مع الثقافة الخليجية والعربية وملتزمة بقيم ديننا الحنيف الإسلام.
لِمَ كل هذه المقدمة لهذه المقالة؟ وما النفط الجديد؟
لقد لُقّب الإعلام الحديث بلقب «النفط الجديد» نسبة لأهميته الاقتصادية للعالم. قد يظن البعض أن وسائل التواصل هذه هي أدوات بسيطة نستخدمها للتواصل بعضنا ببعض أو لنصل لمجتمع رقمي معين. ولكن هذه الوسائل هي آبار نفط رقمية، وما يتم التنقيب عليه هو معلوماتنا الشخصية، واهتماماتنا، بل وحتى إيمانياتنا.
تشتري الدول هذه البيانات بالمليارات لإيمانها بأن العلم لم يعد محاطاً بحدود بل أصبح قرية صغيرة. حيث تتسابق الدول لتصدير ثقافتها وتجارتها للعالم. وتسوق دول أخرى لمعالمها لاستقطاب سياحاً لها. غيرت هذه التطبيقات مفهوم الإعلام الذي اعتدنا عليه. فالإعلام لا يمكن أن يكون صحفاً وإذاعة وتلفزيوناً بعد الآن. بل هو جميع السبل التي تصل مرسلاً ما بمتلقٍ.
لنشاهد بعض النماذج غير العربية وكيف صدّرت ثقافتها. لنبدأ باليابان.
لقد هُزمت اليابان هزيمة تامة في الحرب العالمية الثانية عن طريق رمي قنبلتين نوويتين عليها. كان الدمار لا يوصف وهي مازالت تعالج المخلفات المشعة فيها. كلف إعادة اليابان صناعة نفسها بعدما كانت عدو العالم؟ ركزت على تصدير ثقافتها. فمنذ الستينات، حرصت اليابان على تصدير ثقافتها عن طريق فرق الغناء، والرسوم المتحركة، والبرامج، والأفلام إلى أن أصبحت أحد أكبر الدول استقطاباً للسياح ومن أكبر المصدرين للمواد الإعلامية في العالم.
ونشاهد مثالاً آخر في كوريا الجنوبية، حيث حرصت كوريا على صنع ثقافة جديدة هجينة ما بين الثقافة الكورية الأصيلة والثقافة الغربية لصنع ثقافة يسهل التعامل معها في الغرب. ونجحت كوريا نجاحاً باهراً في القطاع الإعلامي عن طريق تصدير مغنيين، ودراما، وأفلام ورسوم كارتونية، ما صنع فكرة نمطية جديدة عن كوريا وازدهرت سياحياً.
وأخيراً ننظر للصين. لقد فشلت الصين فشلاً ذريعاً عندما حاولت تصدير ثقافتها، وذلك لأن الصورة النمطية للإعلام الصيني أنه دعائي ومقيد تحت تحكم الدولة. وبعد محاولات فاشلة عدة لشق طريقها للعالمية، وقّعت عقداً مع عملاق الإعلام «ديزني» لتطوير بنية تحتية إعلامية للصين أولها صناعة استديو رسوم متحركة.
كيف نطبق كل ذلك لمصلحة الكويت؟ أولاً وبصفة الاستعجال يجب حماية بيانات الكويتيين من تجار البيانات. فوسائل الإعلام تصل شخصاً من أقصى الغرب بشخص بأقصى الشرق. فحماية هذه البيانات تحمي المواطنين من مخاطر عدة، سواءً اختراق بياناتهم، أو انتحال شخصياتهم ولعل أكبر المخاطر وأشدها للبلاد هو السماح بدخول أيديولوجيات شاذة تؤثر على الشباب الكويتي وتهدم الموروث الوطني لديه.
ومن أكبر الجماعات التي تستخدم هذه الطريقة هي «داعش»، حيث يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للوصول لفئة الشباب وأدلجتهم. كما رأينا مثالاً أكبر وهو عندما استخدمت روسيا وسائل التواصل الاجتماعي لنشر دعاية (بروباغاندا) سياسية للتأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية.
ثانياً، لابد من وضع خطط واضحة من قبل الحكومة لدعم صناع المحتوى الكويتيين والاستثمار فيهم. يجب أن يصل المحتوى الكويتي للجمهور العالمي وليس العربي فقط.
بهذه الطريقة، تدخل الثقافة الكويتية لعيون جديدة ما يفتح مجالات جديدة عدة من سياحة إلى تجارة. فبهذه الطريقة نصنع هوية مؤسسية جديدة للبلاد، ولا يمكن أن نبني بنية تحتية إعلامية دون تلك الهوية. (على سبيل المثال دبي مركز استثماري، الرياض مركز ثقافي).
ثالثاً، استقطاب مستثمرين أجانب للاستثمار بقطاعي الإعلام والتكنولوجيا في البلاد. لا نرى الكويت في السينما والدراما الأجنبية إلّا بإحدى هاتين الحالتين، اما «عاصفة الصحراء» أو التاجر الغني المحتال. هذه الصور غير مقبولة أبداً ولا هي تمثل الواقع الكويتي اليوم. فلا بد من دعوة هؤلاء المنتجين لإنتاج محتوى يعكس كويت اليوم. رأينا الإمارات استثمرت بسلسلة «المهمة المستحيلة» للنجم توم كروز، وكانوا حريصين على جعل دبي محور الفلم، بل جعلوا كروز، يتسلّق برج خليفة ليبينوا عظمة البرج كمَعلَم.
رابعاً، لابد من وجود تشريعات وقوانين جديدة تسمح بنهضة الإعلام الكويتي. فأصبح مهماً تقنين استخدام هذه الوسائل وتجريم بعض الاستخدامات المدمرة. وأرى ضرورة ملحة بدراسة هذه البرامج ووضع توصيات تناسب وطننا الكويت وفرضها على هذه المنصات والتطبيقات الأخرى. فيجب منع التطبيقات الضارة مثل تلك التي تسمح بلعب «القمار» وغسل الأموال ومشاهدة الأفلام الإباحية (أجلّكم الله).
لابد من تقديم هذه التوصيات لمقدمي الخدمات وطلب الامتثال لها إذا كانوا يريدون أن يستمروا بتقديم خدماتهم في الكويت. فهم يبيعون بياناتنا لأي مشترٍ، ويحق لنا كدولة أن نرفض ذلك.
إضاءة:
متفائل جدا بنهضة وزارة الإعلام على يد معالي وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري. قد تكون وزارة الإعلام أهم وزارة لخطة التنمية وهي بأيدٍ أمينة الحمد لله.