نتنياهو يؤكد أنه اختار الأهداف بناء على المصالح الوطنية

كيف دفع بايدن إسرائيل إلى الحد من ضرباتها على إيران؟

بايدن ضغط على نتنياهو (رويترز)
بايدن ضغط على نتنياهو (رويترز)
تصغير
تكبير

- واشنطن حضت تل أبيب على تجنب قصف منشآت نفطية ونووية
- أميركا تنشر منظومة «ثاد» في إسرائيل وتُعزّز دفاعاتها الجوية

واشنطن - رويترز - بعد ساعات من سقوط الصواريخ الإيرانية على إسرائيل في الأول من أكتوبر، أرسلت إدارة الرئيس جو بايدن رسالة عاجلة إلى إسرائيل مفادها: تريثي.

كانت واشنطن ترى أن إسرائيل تملك الوقت لاتخاذ القرار في شأن أفضل طريقة للرد على ضربة إيرانية، قدرت الولايات المتحدة أنها كانت ستقتل الآلاف لو لم تتمكن تل أبيب، بدعم عسكري أميركي، من صد هجوم عدوها اللدود.

وكان المسؤولون يخشون أن يؤدي مثل هذا الهجوم الإيراني الضخم إلى إثارة رد فعل إسرائيلي حاد وسريع، ما قد يدفع الشرق الأوسط إلى شفا صراع إقليمي شامل قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

تشرح هذه الرواية الصادرة عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين كيف سعت الولايات المتحدة إلى التأثير على إسرائيل خلال أكثر من ثلاثة أسابيع قبل أن يرد جيشها أخيراً فجر السبت بضربات جوية كانت موجهة أكثر بكثير نحو أهداف عسكرية مما كانت تخشى واشنطن في البداية.

ودمرت الضربات الإسرائيلية دفاعات جوية إيرانية رئيسية ومنشآت لإنتاج الصواريخ، الأمر الذي يضعف الجيش الإيراني. ولكن الأهم من ذلك أنها تجنبت المواقع النووية الحساسة والبنية الأساسية للطاقة في إيران، ما لبّى مطلبي بايدن الرئيسيين.

وقال جوناثان بانيكوف، النائب السابق للمسؤول المعني بشؤون الشرق الأوسط في المخابرات الوطنية الأميركية إن «الضغوط الأميركية كانت بالغة الأهمية».

وأضاف «كان من شأن عملية صنع القرار في إسرائيل أن تكون مختلفة تماماً لو لم تتخذ إدارة بايدن إجراءات لدفعها إلى عدم ضرب المواقع النووية أو مواقع الطاقة».

ونفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون إسرائيل تجنبت ضرب منشآت الغاز والنفط الإيرانية بسبب الضغوط الأميركية.

وقال «إسرائيل اختارت مسبقاً أهداف الهجوم وفقاً لمصالحها الوطنية وليس رضوخاً للإملاءات الأميركية».

ويؤكد المسؤولون أن الخطوة الأولى التي اتخذتها إدارة بايدن كانت الاعتراف بأن إيران ستضطر إلى دفع ثمن هجوم الأول من أكتوبر.

وقال مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن «في الساعات التي أعقبت ذلك الهجوم، توعدنا إيران بعواقب وخيمة».

وأجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن نحو 12 مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت منذ أول أكتوبر. وناقشا الرد المحتمل.

وذكر مسؤول أميركي معلقاً على المحادثات «كنا نعلم أنهم يستعدون للقيام بشيء ما، وكان (أوستن) يحث على أن يكون متناسباً».

وأجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مثل غيره من كبار المسؤولين في الإدارة، اتصالات هاتفية مع حلفاء أوروبيين وعرب في الأيام التي أعقبت الهجوم الإيراني، موضحاً أن إسرائيل ستضطر إلى الرد، لكنه أكد لهم أن واشنطن تعمل على الحد منه.

ولكن ما هو الرد المتناسب الذي يمكن أن يردع إيران عن شن هجوم آخر؟

ورغم أن الضربة الإيرانية لم تؤد إلا إلى مقتل شخص واحد، وهو فلسطيني لقي حتفه بسبب سقوط حطام، فإن الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو الأميركية لم تتمكن من اعتراض العديد من الصواريخ الإيرانية.

وقال جيفري لويس، الخبير في مجال الحد من الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، إن تحليل صور الأقمار الاصطناعية أظهر سقوط ما لا يقل عن 30 قذيفة على قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية وحدها.

وأضاف لويس أن هذا قد يشير إلى أن إسرائيل، إما تحاول الحفاظ على دفاعاتها الجوية الآخذة في التناقص،وإما أنها تعتقد ببساطة أن تكلفة إصلاح المنشأة المحصنة ستكون أقل من تكلفة صد كل قذيفة تطلقها إيران.

وتابع لويس «ربما قررت إسرائيل أن المخزونات بدأت في النفاد أو أن الصواريخ الاعتراضية أصبحت باهظة التكلفة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها لصد الصواريخ البالستية».

الدفاعات الجوية

قال مسؤول أميركي إن الإدارة عندما بدأت في التحدث مع الإسرائيليين، كانت المواقع النووية والنفطية الإيرانية من بين الأهداف المحتملة، رغم تأكيده أن إسرائيل لم تقرر بشكل قاطع المضي قدماً في ضرب هذه الأهداف.

لكن المسؤولين الأميركيين عملوا على تقديم خيار بديل يتضمن مجموعة من التدابير المختلفة. فقد عملت واشنطن على فرض عقوبات نفطية تستهدف ما يعرف باسم «أسطول الظل» الإيراني، وذلك لتقديم بديل للإسرائيليين الذين أرادوا إلحاق الضرر بعوائد النفط الإيرانية بضربة جوية.

وأضاف المسؤول الكبير في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة عملت على تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية قبل هجومها على إيران يوم السبت.

وشمل ذلك نشراً أميركياً نادراً لمنظومة الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية (ثاد) في إسرائيل إلى جانب نحو 100 جندي لتشغيلها.

وقبل نشر المنظومة، أرادت الولايات المتحدة معرفة خطط الهجوم الإسرائيلية.

وقال مسؤولون إن بايدن أجرى اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو في التاسع من أكتوبر، ما أعطى الولايات المتحدة فكرة عن كيفية الرد الإسرائيلي، الأمر الذي سمح بالمضي في نشر «ثاد».

وفرضت إدارة بايدن عقوبات على إيران تلبية لرغبة إسرائيل في التضييق على قطاع النفط. وشمل ذلك توسيع العقوبات على قطاعي النفط والبتروكيماويات في إيران في 11 أكتوبر.

ومن العناصر الرئيسية الأخرى في هذه «الحزمة» من التدابير البديلة تشجيع الحلفاء الأوروبيين على فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) ونشر «ثاد» في الوقت نفسه كرادع والإظهار للعالم أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل.

ورأى مسؤولون أن هذا الخيار، كما ذكرت الإدارة، من شأنه أن يظل رادعاً قوياً وفعالاً في جعل إيران تدفع ثمن هجومها من دون إغراق المنطقة في حرب أوسع نطاقا تعتقد واشنطن أن إسرائيل لا تريدها.

«النووي» محظور

وفيما اعتبره العديد من الخبراء رسالة إلى إيران، نفذ الجيش الأميركي أيضاً ضربة ضد الحوثيين المتحالفين معها في اليمن باستخدام قاذفات الشبح البعيدة المدى (بي-2).

وقال أوستن في ذلك الوقت إن الضربة دليل واضح على قدرة وزارة الدفاع على ضرب منشآت يصعب الوصول إليها، «بغض النظر عن مدى عمقها تحت الأرض، أو مدى تحصينها».

وبينما دارت تكهنات في شأن ما إذا كانت إسرائيل قد تضرب المواقع النووية الإيرانية، كانت رسالة واشنطن إلى إسرائيل هي أنها تستطيع الاعتماد على مساعدتها إذا ما اختارت طهران ذات يوم صنع سلاح نووي، وهو الأمر الذي لا تعتقد دوائر الاستخبارات الأميركية أن طهران قد فعلته بعد.

والآن ليس الوقت مناسب.

وقال بانيكوف «كان المضمون هو أنه إذا كانوا يريدون على المدى الطويل مساعدة الولايات المتحدة لتدمير مثل هذه الأهداف، إذا اتُخذ قرار من هذا القبيل، فسوف يتعين عليهم أن يكونوا أكثر تحفظاً هذه المرة».

ويرى بلينكن أن الهجوم الإسرائيلي المضاد المدروس على إيران قد يتيح الفرصة لتحقيق أهداف دبلوماسية بعيدة المنال منذ فترة طويلة في منطقة تعاني بالفعل من حرب مستمرة منذ عام في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» المدعومة من إيران وحرب متصاعدة بين إسرائيل و«حزب الله»، الحليف الإستراتيجي لطهران.

وخلال جولة في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، قال بلينكن لوزراء الخارجية العرب إن المناقشات مع إسرائيل وصلت إلى مرحلة لن تضرب خلالها تل أبيب سوى أهداف عسكرية.

وأعلن في رسالة يأمل أن تصل إلى طهران ان إيران في المقابل ينبغي ألا تفعل أي شيء آخر.

والأحد، ومع استقرار الوضع بعد الهجوم، لم يشر أي من الجانبين إلى مزيد من التصعيد.

وقال نتنياهو إن الهجمات الجوية «أثرت بشدة» على دفاعات إيران وإنتاجها من الصواريخ.

وذكر المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي انه ينبغي عدم تضخيم الأضرار الناجمة عن هجوم السبت.

وفي حين أن من المستحيل التنبؤ بما إذا كانت إسرائيل وإيران ستخفضان مستوى التصعيد، يقول المسؤولون الأميركيون إن إدارة بايدن عملت بجد لإيجاد فرصة لوقف التبادل غير المسبوق للهجمات المباشرة والمضادة الذي بدأ في أبريل الماضي.

وتابع المسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن «إذا اختارت إيران الرد مرة أخرى، فسنكون مستعدين، وستواجه عواقب مرة أخرى. ومع ذلك، لا نريد أن نرى ذلك يحدث».

وتواجه استراتيجية بايدن في محاولة كبح جماح إسرائيل انتقادات من أطراف، منها جمهوريون معارضون مثل مايك تيرنر، عضو الكونغرس الجمهوري الذي يرأس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب.

وقال تيرنر لشبكة «فوكس نيوز»، «إنهم (في الإدارة) حدوا من قدرة إسرائيل على التأثير فعلياً على إيران وقدرتها على مواصلة تهديدها».

ورأى آرون ديفيد ميلر، الباحث الكبير في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن نتيجة الضربات المتبادلة هي، على نحو متناقض، زيادة الرغبة في المخاطرة في إسرائيل والتي قد تزداد أكثر إذا فاز المرشح الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر.

وقال ميلر «إذا فاز ترامب في هذه الانتخابات، فأعتقد أن الإسرائيليين ربما يبحثون عن فرص في الأشهر المقبلة، بعد أن أثبتوا أنهم قادرون على الإفلات من العقاب بتفكيك أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية وإحداث قدر كبير من الضرر».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي