الـ 100 طائرة الإسرائيلية ضد إيران... الحذر التكتيكي والمظلة الأميركية والرد
أعلنت إسرائيل رسمياً للمرة الأولى عن مهاجمتها لإيران في ضربة شاركت فيها 100 طائرة استهدفت 20 موقعاً في إيران.
وهذا يُظهر نهجاً محدوداً ولكنه متطوراً ومتعدد الطبقات، ويوازن بين الدقة وتجنُّب المخاطر لمعالجة تعقيدات الدفاعات الإيرانية وتفادي ردّ الفعل القاسي. وقد أجريت هذه المهمة من المجال الجوي العراقي ما يشير إلى الحذر الإستراتيجي من جانب إسرائيل، بهدف إظهار القوة الاستعراضية غير الإستراتيجية مع تقليل التعرّض لأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية.
ويُعتبر الهجوم المحدود، رمزياً، رغم أسابيع من التراكم النفسي المكثّف والتهويل بالضربة الكبرى، ويَكشف عن ديناميات أساسية مهمة في الموقف العسكري الإسرائيلي وتَوازُن القوى الإقليمي.
وقد أظهر الهجوم، الذي تم تأطيره على أنه ردّ حاسم و«قاتل» على إيران، في نهاية المطاف تنفيذاً مقيَّداً، ما يشير إلى حدود قدرات إسرائيل والحاجة إلى مشاركة أميركية كبيرة للحفاظ على العملية ضمن إطار معقول بعيداً عن حرب كبرى تنجرّ إليها أطراف عدة.
ومجرد إعلان إيران عن مقتل أربعة من عسكرييها في مركز رادار أنظمة الدفاع الجوي، دليل على نية طهران بالرد (المدروس) معتمدة على قرار الأمم المتحدة الرقم 51 لحقها بالدفاع عن نفسها وعن الخرق الإسرائيلي لسيادتها.
ومجرد إعلان أميركا على نيتها بتزويد إسرائيل بمنظومة «ثاد» الدفاعية الثانية وتصميمها بالدفاع عن إسرائيل، دليل على عدم قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها لوحدها وأن الرد الايراني متوقع.
ويؤكد تنسيق إسرائيل مع الولايات المتحدة، اعتمادَها على اللوجستيات الأميركية وإمدادات الذخيرة وقدرات التزود بالوقود جواً.
ومن دون هذا الدعم ستواجه تل ابيب تحدياً أكبر في الحفاظ على العمليات الجوية المستدامة، ولا سيما في المناطق التي تتمتع بدفاعات جوية إيرانية متقدمة.
ويوضح اعتمادُ تل ابيب على واشنطن لتهدئة التوترات بعد الهجوم المرونةَ المحدودةَ التي تتمتع بها في إدارة الصراعات المحلية والإقليمية في شكل مستقل.
كما يشير إلى أن الخيارات الاستراتيجية لإسرائيل مقيَّدة بمقتضى تجنُّب الإفراط بالتوسع في بيئة معقّدة ومعادية لا تمتلك فيها اليد العليا.
وقد كرست إيران نفسَها بفعالية كقوة إقليمية قادرة على توجيه الضربات بصواريخها الفرط صوتية وردع الضربات العسكرية واسعة النطاق من خلال أنظمتها الدفاعية المتقدمة وتحالفاتها الإقليمية وعمقها الاستراتيجي.
وتشير فاعلية الردع الإيراني إلى أن أي مواجهة مباشرة ستكون مكلفة بالنسبة لإسرائيل، ما يستلزم الاعتماد على الحلفاء الخارجيين للعناصر العملياتية الحاسمة.
وكشفتْ المواجهاتُ التي خاضتها إسرائيل على مدى عام مع تنظيمات غير حكومية مثل «حزب الله» و«حماس» عن تحديات في مواجهة الحرب غير التقليدية.
فقد قاومتْ هذه الجماعات، التي تدعمها إيران، بفاعلية القوة العسكرية، الأمر الذي يؤكد القيود والقدرات المحدودة التي تواجهها إسرائيل حتى عندما تخوض حرباً ضد جهات فاعلة غير حكومية أقلّ تجهيزاً.
ويؤشر اعتمادُ إسرائيل على الاستخبارات الغربية والدعم اللوجستي والتكنولوجي، إلى أنه في الوقت الذي تتمتع تل أبيب بقوة نيران كبيرة بسبب الدعم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فإنها تواجه قيوداً عندما توسّع عملياتها خارج منطقتها المباشرة لعجْزها عن خوض حروب لوحدها من دون الحلفاء.
ويتحدى تردد إسرائيل في التصعيد مع إيران، إلى جانب نجاحها المحدود في العمليات ضد الجهات الفاعلة غير الحكومية، الروايةَ القائلة بهيمنة إسرائيل العسكرية.
وهذا يثير تساؤلاتٍ حول فاعلية إسرائيل الاستراتيجية طويلة الأجل في ألعاب القوة الإقليمية والردع.
ولكن كيف نفذت إسرائيل هجومها على إيران؟
المقاتلات المرافقة
يفترض أن يكون تمّ تخصيص جزء كبير من الطائرات الـ 100 لحماية القوة الضاربة الرئيسية.
وتَحمي المقاتلات المرافقة القاذفات والطائرات الأخرى ذات الأهمية من الطائرات الاعتراضية الإيرانية المحتملة، وهو أمر ضروري بشكل خاص بالنظر إلى الدفاعات الجوية الإيرانية الهائلة.
وتُعتمد في العادة هذه الطبقة من الأمن لحماية قدرة القوات الإسرائيلية على إجراء العملية من دون مواجهة مباشرة مع أنظمة الدفاع، وفي هذه الحال الإيرانية.
الحرب الإلكترونية ودعم التشويش
لا بد أن تكون بعض الطائرات حملت معدات حرب إلكترونية متقدمة لتشويش الرادار الإيراني وتعطيل أنظمة الدفاع الجوي مثل S-300 وS-400، القادرة على اكتشاف الأهداف والاشتباك معها على مسافات كبيرة. إن دَعْمَ الحربِ الإلكترونية يقلّل من مخاطر الكشف والاعتراض، ما يعزز من قدرة حزمة الضربات على البقاء مع الحد من قدرة إيران على الاستجابة بشكل فعال.
الأمن التشغيلي والتكرار
تعد منصات جمْع المعلومات الاستخباراتية بالغة الأهمية للتعديلات في الوقت الفعلي، وتتبُّع الاستجابات الإيرانية، وتحسين بيانات الاستهداف. وتوفر طائرات المراقبة معلومات حاسمة عن إشارات الرادار، وتنشيط الدفاع الصاروخي، وحركات المقاتلات الإيرانية، ما يسمح للقوة الضاربة بالتكيف والاستجابة في شكل ديناميكي لبيئة التهديد.
ومع 100 طائرة، يفترض أن تكون إسرائيل تمتّعت بدعم طائرات أخرى، لضمان نجاح المهمة إذا واجهتْ صعوبات فنية. ويُعَدّ هذا التكرار أمراً بالغ الأهمية للعمليات المعقدة وطويلة المدى حيث يجب تنفيذ مكونات مهمة متعددة دون فشل، خصوصاً في البيئات المعادية مثل المجال الجوي الإيراني.
التعرض المنخفض للدفاعات الإيرانية
يُعتبر تنفيذ العملية من المجال الجوي العراقي خياراً استراتيجياً لتجنب المواجهة المباشرة مع الدفاعات الجوية الإيرانية.
ولا بد من أنه تم وضْع المنشآت في حال تأهب قصوى أثناء مثل هذه المهمة. ومن خلال البقاء في المجال الجوي العراقي سعت إسرائيل للتقليل في شكل كبير من تعرُّضها للاشتباكات المحتملة، ما يحد من خيارات الرد لدى طهران.
ومن بين تكتيكات الضربات البعيدة المدى والذخائر بعيدة المدى:
صواريخ كروز «ديليلا»
صُنعت في إسرائيل بواسطة الصناعات العسكرية الإسرائيلية (IMI)، وهي الآن جزء من Elbit Systems.
يبلغ مدى هذه الصواريخ الموجَّهة بدقة نحو 250 كيلومتراً، ما يسمح لإسرائيل بضرب أهداف محصَّنة في غرب إيران، خصوصاً بالقرب من المناطق المجاورة للحدود مثل خوزستان وإيلام، من المجال الجوي العراقي.
وتكمن قدرة «ديليلا» على المناورة وتجنب الدفاعات والتسكّع فوق مناطق الهدف لتحقيق اشتباك مثالي، وهو مثالي لتحديد الأهداف ذات القيمة العالية مع التهرب من الدفاعات الإيرانية.
ويمكن لكل طائرة F-15I حمْل ما يصل إلى 4 صواريخ Delilah، بينما يمكن لـ F-16I حمل 2-4 صواريخ عادةً، اعتماداً على حمولة المهمة ومتطلبات الوقود. ويختلف العدد المحدَّد وفقا لاحتياجات المهمة، حيث قد تحدّ خزانات الوقود الإضافية أو حاويات الحرب الإلكترونية من سعة الصواريخ.
«رامبيج» جو - أرض
تم تطويرها بشكل مشترك من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) وIMI Systems (الآن Elbit Systems). ويمكن لـ F-15I حمل 2-3 صواريخ Rampage بالإضافة إلى ذخائر أخرى، بينما تحمل F-16I عادةً صاروخاً واحداً أو صاروخين Rampage، مع تعديلها بناءً على الحمولة التشغيلية للوقود والمعدات الأخرى.
و«رامبيج» هو صاروخ بعيد المدى أسرع من الصوت مصمَّم لاختراق الأهداف المحصنة مثل المخابئ ومراكز القيادة ومرافق البنية التحتية. وهو مفيد بشكل خاص للهجمات عن بُعد دون دخول المجال الجوي المعادي. وهذا الصاروخ، بمدى نحو 150 كيلومتراً، هو خيار آخر للأهداف القريبة من الحدود داخل إيران، وقادر على اختراق المواقع المحصنة.
«بوباي» المعدلة
تم تطوير Popeye في الأصل بواسطة شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI)، وتم إنتاجها لاحقاً وتصنيع بعض الإصدارات بالتعاون مع الولايات المتحدة (ومع شركة لوكهيد مارتن لإجراء تعديلات محددة).
ورغم أنها مصمَّمة بشكل عام لمهمات أقصر مدى، فإن «بوباي» المعدَّلة توافر دقة واختراقاً معززيْن، ما يمكنها من ضرب أهداف محصنة من مسافات بعيدة. ويساعد هذا الاختيار من الذخائر في توسيع نطاق خيارات الهجوم الإسرائيلي، لتشمل مجموعة من الهياكل، من المراكز اللوجستية إلى مراكز القيادة.
حدود البقاء في المجال الجوي العراقي
إن البقاء داخل المجال الجوي العراقي يقيّد قدرة إسرائيل على الوصول إلى أهداف ضمن 150-250 كيلومتراً من الحدود، ما يحدّ من العمليات بالقرب من طهران والمناطق الأساسية الأخرى.
وبالنسبة للضربات على المواقع العميقة، ستحتاج إسرائيل إلى الوصول إلى ذخائر أطول مدى أو الدخول إلى المجال الجوي الإيراني، ما يشكل مخاطر أكبر.
أما البقاء خارج المجال الجوي الإيراني فيحدّ من خيارات إسرائيل المستهدفة للمنشآت القريبة من الحدود، ما قد يؤدي إلى تفويت أهداف ذات قيمة أعلى في عمق الأراضي الإيرانية.
بالنسبة للبنية التحتية الحيوية مثل المنشآت النووية أو هياكل القيادة المركزية بالقرب من طهران، فقد تحتاج إسرائيل إلى تبني استراتيجيات بديلة.
تقليص مخاطر التصعيد
يسمح اعتماد إسرائيل على الأسلحة البعيدة والحرب الإلكترونية لها بتحقيق تأثير استراتيجي دون انتهاك المجال الجوي الإيراني بشكل مباشر. ويقلل هذا النهج من المخاطر مع إيصال رسالة قوية، ما يسمح لإسرائيل بالاحتفاظ باليد العليا من دون تجاوز الحدود التي قد تثير صراعاً مباشراً.
الخلاصة
إن نشر 100 طائرة نفاثة واستراتيجية عملياتية متعدّدة الوجه يؤكدان تعقيد ونطاق نهج إسرائيل في استهداف المواقع الإيرانية، ما يعكس مزيجاً من الردع والدقة التكتيكية وتجنّب المخاطرة.
ومن خلال التركيز على الهجمات عن بُعد والاستفادة من الذخائر المتقدمة مثل «ديليلا» و«رامبيج»، تستفيد إسرائيل من تفوّقها التكنولوجي مع الحفاظ على الأمن العملياتي ما دامت تحت الجناح والحماية والتعاون والغطاء الأميركي.
ويكشف قرار البقاء في المجال الجوي العراقي عن ضبط النفس الاستراتيجي، وموازنة الضربات الفعالة مع تجنب الاشتباك مع الدفاع الجوي الإيراني وصواريخه الدفاعية الفتاكة.
وتؤكد هذه الاستراتيجية المحسوبة على المشهد العملياتي المعقّد لإسرائيل، حيث يتم نسج إسقاط القوة والاعتماد على التحالف والحذر الدبلوماسي بشكل معقد في كل عمل عسكري.
إلا أن هذه الضربة المدروسة خدمت نفوذ إيران في الشرق الاوسط ليتضح لحلفائها أنها قوة إقليمية يُعتمد عليها. كما اوضحت للعالم أن أي حرب تخوضها إسرائيل يكون العمود الفقري لها القوة الأميركية وحلف «الناتو» لان أي حرب دون دعم هولاء ستكشف هشاشة إسرائيل التي سقط عن جيشها مقولة الجيش الذي لا يُقهر والأقوى في الشرق الأوسط.