«صفاراتُ إنذار» دبلوماسية سبّاقة جنّبت الانزلاق إلى حرب إقليمية

ضربة «باردة» لإيران و... بركانية في جنوب لبنان

تفجيرات مُزلزلة في جنوب لبنان
تفجيرات مُزلزلة في جنوب لبنان
تصغير
تكبير

- انفجارات هائلة في العديسة أطلقت أجهزة الإنذار من زلزال في شمال إسرائيل
- هوكشتاين إلى تل أبيب في «مهمته الأخيرة» بحثاً عن أول الخيط لحل مستدام
- تل أبيب تلمح لقرب انتهاء عمليتها البرية تفادياً لخسائر جيشها وتَكَيُّفاً مع استمرار حربها
- إسرائيل لم تُبْقِ إلّا معبراً برياً واحداً للبنان وإدانات واسعة لاغتيال 3 صحافيين في الجنوب

لم يكن أدلّ من التفجيراتِ الهائلة التي نَفّذَها الجيشُ الإسرائيلي أمس، في جنوب لبنان، ونَسَفَ فيها أحياء في بلدتين متسبِّباً بتفعيل إنذاراتِ الزلازل في شمال إسرائيل، في موازاة مضيّ «حزب الله» باستهدافاته النوعية مع تَراجُعٍ في وتيرتها، على أنّ جبهةَ لبنان ما بعد الضربة المحدودة و«الفائقة الهندسة» التي قامتْ بها تل أبيب ضدّ إيران، «لها حسابُها» المنفصل الذي كاد أن يصبح أكثر تعقيداً وفي الوقت نفسه «أقلّ احتساباً» لو انزلقت المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة.

ولم يحجب الدخانُ المُرْعِب الذي تَصاعَدَ من قلب المشاهد الصادمة لسلسلة الانفجارات التي وقعت في بلدتي ديرسريان والعديسة (القطاع الشرقي) نتيجة تفخيخ أحياء، وزعمتْ تقاريرُ إسرائيلية أنها لتفجير أنفاق وبنية تحتية لـ «حزب الله»، الغبارَ الذي أحدثتْه الضربة الإسرائيلية «المنضبطة» لإيران والتي كرّستْ واقعاً غير مسبوق في المنطقة عنوانه «مواجهة وجهاً» بين تل أبيب وطهران، وعلى جولاتٍ، قد تكون «نسخةُ» 26 أكتوبر منها انتهتْ ولكن يصعب الجزم بأنها كانت نقطة في آخر سطر هذا الصِدام الذي يَعكس حصوله، وإن مع ضوابط حتى الآن أمرين: الأول أن تل أبيب تريد خوضَ «آخِر الحروب» ضد ما تَعتبره مصادر تهديدٍ لها (أذرع إيران و«رأس الأخطبوط»).

والثاني أن الجمهورية الإسلامية وجدت نفسها أمام «نقْلةٍ» من بنيامين نتنياهو على «رقعة شطرنج» الصراع باتت مكرهة معها على تحريك «الملك» لحماية آخِر خط دفاع عنها، «حزب الله».

وفي الوقت الذي كان العالم غارِقاً في تقويمِ طبيعةِ الضربةِ و«رسائلها» وارتداداتها على حرب غزة وأخواتها، وخصوصاً جبهة لبنان، خطف الأنفاس في «بلاد الأرز» فيديو تفجيرات العديسة التي زلزلتْ فعلياً الأرض تحت أقدام قرى مجاورة وشمال إسرائيل حيث استدعت إطلاقَ صفاراتِ إنذار الزلازل في 284 مستوطنة، بالتوازي مع غاراتٍ لم تهدأ جنوباً وبقاعاً، وقابلها «حزب الله» باستمرارٍ في قصف تجمعات عسكرية وقواعد بينها واحدة (تل نوف الجوية) جنوب تل أبيب بمسيّرات انقضاضية وصولاً إلى تقارير عن قصْفه خمس مناطق سكنية في شمال إسرائيل بالصواريخ.

وفي حين شَغَلَ الدوائرَ المتابعة سؤالُ «لماذا سارَ نتنياهو مع (تيار الردّ بتحفّظٍ)على إيران الذي رسمتْه له إدارةٌ أميركيةٌ «راحلةٌ» وأي «ثمن» مقابل هذا «الالتزام» بعدما أدار ظهرَه طويلاً لكثير من المطالبات الأميركية وتفلّت من «كل القيود» مع دخول السباق إلى البيت الأبيض مراحله الحاسمة، راوحتْ القراءاتُ لضربة الفجر، والتي سبقتْها «صفاراتُ الإنذار» الدبلوماسية عبر أكثر من عاصمة، بين أنها نجاحٌ لواشنطن، في ربع الساعة الأخير قبل انتخاباتها الرئاسية، في البقاء كضابِطٍ لإيقاع المواجهة على خطّ تل أبيب - طهران وفرْملةِ اندفاعة نتنياهو نحو خياراتٍ «مجنونة» ما سيُطْلِق العدّ العكسي للحرب، وبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تفادى «معاداةٍ» مسبقةً لإدارة أميركية برئاسة كامالا هاريس واختارَ «الاحتياط» بتأجيلِ أي ضرباتٍ قاصمة لِما بعد الفوز المحتمَل لدونالد ترمب ما يعني أن الأخطر «أرجئ».

وبين هاتين القراءتين، عكست وقائع الميدان على المقلبين اللبناني والإسرائيلي أمرين:

- الأول أن تل أبيب ليست في وارد التراجع عن فرْض وقائع تُفاوِض عليها «تحت النار» لحل بشروطها يُنهي الصراع «إلى الأبد» وذلك بمعزل عن مآلات المواجهة مع إيران وما ستحمله المحاولة المتجددة لاستيلاد صفقة حول غزة، وفي ملاقاة العودة المرتقبة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل خلال ساعات في مسعى أخير لتدوير زوايا مسعى كان سمع الموقف اللبناني منه خلال زيارته لبيروت قبل أيام، ودخل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على خطه من لندن حيث عقد سلسلة اجتماعات مع وزراء خارجية دول عربية وخليجية ومع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي كان شارك في مؤتمر دعم سكان لبنان وسيادته في باريس بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي فعّل بدوره اتصالاته وآخِرها مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حيث حذرا من أن «وضع المنطقة بأسرها على حافة خطر الحرب الإقليمية».

ولم يأخذ بلينكن أمس «استراحة» من الدبلوماسية المكوكية التي اعتُبرت مؤشراً إلى إصرار من واشنطن على أنها ستواصل مساعيها لـ«إطفاء النيران» في غزة ولبنان ولو في الأمتار الأخيرة من السباق الرئاسي، وحتى خلال الفترة الفاصلة عن تسلُّم الفائز منصبه في يناير، وهو التقى أمس نظيره البريطاني ديفيد لامي وبحثا مساعي الحل الدبلوماسي في لبنان و«التزام البلدين بالاستقرار، وأكدا الحاجة لإنهاء الحرب في غزة»، بعدما نُقل عن مسؤول كبير في البيت الأبيض شدد على «أننا نعمل على التوصل إلى إنهاء الحرب في لبنان ووقف النار في غزة».

- والثاني أن «حزب الله»، وبعدما رَفَعَ منسوبَ التصعيد لمستوياتٍ تُلاقي مقتضى العدّ التنازلي للضربة على إيران، ماضٍ في مسارٍ يَعتبر أنه ساهم في «محدودية» هذه الضربة، وإن مع خفْضٍ نسبي في العملياتِ بالأسلحة «ذات الصلة» بجبهة تل أبيب - طهران، وفي الوقت نفسه أنه شكّل عاملَ ضغطٍ في الميدان على إسرائيل وغزوها البري مع الخسائر الكبيرة في صفوف جيشها، وهم ما عبّرت عنه تقارير نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قرب انتهاء العملية البرية في جنوب لبنان بعد تحقيق «أهداف مهمة» منذ مطلع أكتوبر.

استهداف المعابر

ونقلت قناة «كان» الإسرائيلية عن مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية انه «بحسب التقديرات، من المتوقع الانتهاء من المناورة البرية خلال أسبوع، إذا لم تتم تغييرات في اللحظة الأخيرة، ووفقاً للاعتبارات العملياتية والسياسية»، لافتين إلى أن العملية في مراحلها الأخيرة.

من هنا، يسود انطباعٌ بأن الأيام الفاصلة عن الانتخابات الأميركية بعد 9 أيام ستشهد تكثيفاً من إسرائيل لضرباتِها في لبنان، والتي عادتْ معها الضاحية الجنوبية لبيروت لتتحوّل مسرحاً لغارات ليلية مرعبة، وصولاً لتضييقها الخناق البري على «بلاد الأرز» التي لم يبقَ لها منفذ عبر البر (من خلال سورية) إلا معبر واحد بعدما ضربت تل أبيب معبرين رئيسييْن، أولا المصنع وأول من أمس القاع، وسط خشية من تداعياتٍ على صعيد تقليص الخيارات أمام شحن الصناعات والمنتجات الزراعية إلى الأسواق العالمية.

و... الإعلاميين

ولم يكن عابراً استهدافُ إسرائيل مجدداً للأطقم الإعلامية، كما حصل في حاصبيا فجر الجمعة، حيث تم استهداف مقرّ إقامة مجموعة من الصحافيين العاملين في مؤسسات محلية وعربية بغارة نفّذها الطيران الحربي ما أدى إلى سقوط ثلاثة صحافيين لبنانيين (المصور في قناة «الميادين» غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا والمصور في قناة «المنار» وسام قاسم) وجرْح آخرين، وهي الجريمة الموصوفة التي قوبلت بإداناتٍ واسعة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي